الأحد، 19 مارس 2023

الحواس الخمس أهميتها وتوجيهها لدى الاطفال

 

الحواس الخمس

أهميتها وتوجيهها لدى الطفل

د. احمد الربيعي 

تعد الحواس من المكونات الفسيولوجية للإنسان، ويمتلك الطفل خمس حواس أساسية هي السمع وأداتها الأذن، والبصر وأداتها العين، والشم وأداتها الأنف، والتذوق وأداتها اللسان، واللمس وأداتها الجلد، ويلاحظ أن كل حاسة من الحواس الخمس لها طبيعة خاصة بها، فكل من حواس البصر والسمع واللمس تتم وفق عمليات فيزيائية، بينما حاستي الشم والتذوق تتم وفق عمليات كيميائية، كما أن لكل حاسة وظيفة معينة تؤديها، وأجهزة استشعار أو حساسات مرتبطة بها ترسل الإشارات إلى الدماغ، وفي مرحلة الطفولة المبكرة يكون الإدراك كله حسياً، حيث يقوم الطفل بالتواصل عن طريق الحواس مع عالمه الخارجي، فبواسطتها يدرك ويتعلم ما يدور حوله من مثيرات حسية، وبالتدريج تنمو لديه القوى الحسية وتصبح أكثر تمايزاً ونضجاً.

 والحواس الخمس من نعم الله تعالى على الإنسان، وقد وهبها الله تعالى للطفل في مراحل حياته الأولى لتساعده على اكتشاف البيئة المحيطة به، والتعرف عليها ونقل المعلومات إلى الدماغ لتحليلها وفهمها والتفاعل معها بالطريقة المناسبة ليمارس حياته الطبيعية.

أهمية الحواس الخمس لدى الطفل

تقوم الحواس الخمس بدور كبير ومهم في حياة الطفل، فبواسطتها يعاد تشكيل شخصيته من كائن بيولوجي لا يعلم شيئاً إلى خليفة الله في الأرض، قال تعالى "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " (النحل، 78)، ذلك أن عملية التفاعل بين الطفل وبيئته تتكون من مدخلات وعمليات ومخرجات، فالمدخلات والمخرجات تتم عن طريق الحواس المختلفة، وأما العمليات فيقوم بها العقل.

يلاحظ أن نمو الحواس الخمس لدى الطفل له تأثير إيجابي على نمو شخصيته في جميع الجوانب، فالنمو العقلي يتأثر بالمدركات الحسية ويتطور بفعل الخبرة والتعلم، حيث إن حواس الطفل تسجل مثيرات البيئة الخارجية وتنتقل عبر الجهاز العصبي إلى الدماغ ليعطيها المعاني المنطقية، كما يؤثر النمو الحسي على النمو الانفعالي للطفل، فصوت الأم ولمساتها ورائحتها تساعده على الاسترخاء والشعور بالراحة والطمأنينة والهدوء، كما يساعد نمو حاسة السمع على النمو اللغوي، ومن هذا المنطلق يجب تعويد الطفل على الاستماع والإصغاء للقصص والأناشيد والألعاب اللفظية؛ التي تشجع على الكلام والتعبير الشفوي، وقد أثبتت الدراسات التجريبية أن الأطفال الذين تعودوا على الاستماع الجيد كان نموهم اللغوي سريعاً وجيداً.[1]

وتعد العمليات الحسية أول مرحلة من مراحل المعرفة والتعلم لدى الطفل، وهذا يعتمد على سلامة أعضاء الحواس لديه، فأي خلل يصيبها يقلل من كفاءتها ويعطلها عن أداء دورها، وبالتالي لابد من تعويد الطفل على الالتزام بالتوجيهات الإرشادية والصحية للمحافظة عليها والاعتناء بها وتأمين سلامتها، وقد بينت الشريعة الإسلامية الآداب التي تساعد المسلم للمحافظة على سلامة حواسه، ومن هذه الآداب شكر الله سبحانه وتعالى المتفضل علينا بهذه النعم، وهذا يقتضي النأي بالطفل عن النظر إلى العورات والمحرمات لاسيما ونحن في عصر المغريات البصرية، وتعويده على خفض الصوت حين التحدث مع الآخرين حتى لا يزعجهم ويؤذيهم. وقد وردت قصة لطيفة عن أبي الطيب الطبري أحد علماء المسلمين أنه كان راكباً على ظهر سفينة وهو في السبعين من عمره، فلما اقترب من البر قفز إلى الشاطئ، وكان بجواره شباب أرادوا أن يقفزوا فما استطاعوا، فقالوا له: كيف استطعت وما استطعنا وأنت شيخ كبير؟ قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر، فحفظها الله لنا في الكبر.

 تنمية الحواس الخمس لدى الطفل

يحدث نمو سريع للطفل في مرحلة الطفولة المبكرة في جميع جوانب النمو، ويجب على الوالدين والمربين تهيئة بيئة غنية بالمثيرات الحسية للطفل، وإثرائها بالألعاب والأنشطة التي تنمي المدركات الحسية لديه، ومن هذه الأنشطة ما يلي:

1.   تنمية حاسة البصر: يستطيع الآباء والأمهات والمربون تنمية حاسة البصر لدى أبنائهم من خلال الألعاب البصرية مثل لعبة المطابقة، وذلك بقص مجموعة من الصور إلى أربع قطع أو أكثر ثم بعثرتها والطلب من الطفل إعادة تركيبها بشكل صحيح، وتطوير مسابقات مشابهة تغذي الإحساسات البصرية.

كما يتم تحفيز حاسة البصر من خلال تعريض الطفل مباشرة للمناظر الطبيعية من خلال الرحلات إلى الأماكن الطبيعية، حيث يتعرف على حقيقة الأشياء كالهواء الطلق، والمياه النقية، وزرقة السماء، وألوان الزهور، وطبيعة الأحجار، وأشكال الحيوانات والنباتات، ويمكن تحفيز حاسة البصر بتزيين غرف الطفل في البيت والمدرسة، وتلوين ساحات اللعب بالألوان الزاهية وتلوين الألعاب والحوائط والكتب والأثاث، وتدريب الطفل على مزج الألوان الأساسية لإنتاج ألوان جديدة، واستخدام الألعاب الحركية التي تسهم في تنمية التركيز البصري، وللحفاظ على سلامة حاسة البصر يجب العناية بالعين وعدم العبث بها، واستخدام الإضاءة الجيدة عند القراءة وتجنب الإضاءة القوية والغبار وكل ما يسبب ضرر على العين[2]. 

2.  تنمية حاسة السمع: توجد العديد من الأنشطة والألعاب والطرق التي تساهم في تطوير حاسة السمع، لعل أهمها هو التحدث الكثير مع الطفل وإخباره عن كل شيء حتى وإن لم يستوعب ذلك، كما أن سماع الأناشيد ذات الصوت الجميل تعد من أهم الوسائل لتحفيز حاسة السمع، وكذلك الألعاب التي تصدر أصواتاً وأنغاماً ماتعة، بالإضافة إلى تعريض الطفل إلى الأصوات في البيئة الطبيعية مثل زقزقة العصافير، وهديل الحمام، وخرير الماء، وصهيل الخيول، وصوت الرعد وغيرها. ولتأمين سلامة حاسة السمع يجب إبعاد الطفل عن الأصوات القوية أو الحادة وأماكن الضوضاء والضجيج، وتنظيف الأذنين بحذر وعدم إدخال أي أشياء حادة فيهما.

3.  تنمية حاسة الشم: لتنمية حاسة الشم لدى الطفل نبدأ بالتوضيح للطفل بوجود روائح طيبة وروائح كريهة، وإعطائه أمثلة على ذلك من الواقع الذي يعرفه جيداً، ومن الألعاب التي تنمي حاسة الشم إخفاء مجموعة من الأشياء التي لها روائح قوية داخل البيت، ثم الطلب من الطفل البحث عنها عن طريق الشم، وعمل منافسات بين الأطفال، ولتأمين حاسة الشم يجب المحافظة على الأنف من اللكمات والكسور وشم الروائح الخطيرة.

4.  تنمية حاسة اللمس: تنمو حاسة اللمس لدى الطفل من خلال ملامسته للأشياء المادية الموجودة في بيئته المحيطة، فمن خلال تنويع الألعاب يتعرف الطفل على ملمس الألعاب القماشية والخشبية والبلاستيكية، فيتعرف على خصائص هذه المواد، بالإضافة إلى تعويد الطفل على الإمساك بطعامه حتى وإن أدى إلى اتساخ ملابسه أومكانه، وكذلك احتضان الطفل والتربيت على ظهره بلطف ينمي حاسة اللمس لديه ويشعره بالدفء والحنان والاحتواء، ويظهر هذا النمو جليا عندما يقوم الطفل بمحاكاة ذلك بالتربيت على ظهر والده ووالدته واحتضانهم، وللمحافظة على حاسة اللمس يجب العناية ببشرة الطفل وحمايتها من أشعة الشمس الضارة ومن الأدوات الحادة التي تسبب الجروح[3].

5.  تنمية حاسة التذوق: يمكن للأم تطوير حاسة التذوق لدى طفلها من خلال تعريفه بالمذاقات المختلفة للأطعمة والأشربة والفواكه والخضروات حتى يستطيع التمييز بين المذاقات الأربعة المالح والحلو والحامض والمر.

التوجيه التربوي لحواس الطفل

يعد اللعب من أهم الأساليب التربوية لتنمية حواس الطفل وتوجيهها، باعتباره نشاطا تلقائيا يهيمن على معظم نشاطات الطفل، ومن خلال الألعاب الموجهة والهادفة مثل ألعاب الجري والقفز والتسلق والسباحة والرمي وغيرها، يتمكن الوالدان والمربون من تدريب الطفل على التعبير عن ذاته وزيادة ثروته اللغوية والتغلب على عيوبه في النطق والتحكم بصوته وتعبيرات وجهه ولغة جسده.

ويعد اللمس أكثر الحواس نضجاً واكتمالاً في مرحلة الطفولة المبكرة، ومن الأساليب التربوية المرتبطة بحاسة اللمس، المسح على رأس الطفل ومصافحته بالسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصافح الصبيان ويمسح على رؤوسهم، ليرفع من تقديرهم لذاتهم ويرفع من شأنهم ويشعرهم بالأهمية والأمان[4].

 ومن الأساليب التربوية التي تعتمد على حاسة السمع الحوار الهادئ مع الطفل، لكي تنمو مهارات التفكير لديه ويوسع عقله ومداركه، فتعويد الطفل على المناقشة والحوار يساعده على التعبير عن حقوقه وطرح الأسئلة بحرية في جو بعيد عن الخجل والتوتر والخوف، وهذا يحدث انطلاقة فكرية للطفل مما يزيد من ثقته بنفسه وتتسع مداركه نحو طلب العلم ومجالسة العلماء والمفكرين، فيصبح لوجوده أثر ولآرائه الفكرية قبول، والسبب يعود إلى التدريب والرعاية التي حصل عليها في بيته أو محضنه التربوي.

كما يمكن للوالدين والمربين استخدام الأساليب التربوية السمعية بضرب الأمثال للاتعاظ والاعتبار بها، فالأمثال تقرب المفاهيم وتبسطها وتجسدها حتى تٌفهم وتستوعب بشكل أفضل، بالإضافة إلى فن الإنشاد الذي يؤثر في المشاعر وينشطها ويوصل الرسالة إلى الطفل بقالب فني مشوق ومحبب، مما يسهل عليه حفظها وتذكرها وتمثل القيم التي تدعو لها في حياته العامة.

ومن الأساليب التربوية التي تعتمد على حاسة البصر، تصميم الرسوم وصناعة المجسمات التي تجسد المعارك التاريخية للمسلمين والمقدسات الإسلامية، والعادات والتقاليد المجتمعية والقيم والأخلاق، وقد تطورت حديثاً هذه الوسائل باستخدام البرامج الحاسوبية التي تضفي على الرسم الحركة والألوان والأصوات المناسبة للطفل، ومنها انتاج الرسوم المتحركة، وتعد الأساليب البصرية من أكثر الأساليب تأثيراً في شخصية الطفل، كما أن الطفل يتأثر بالأشياء المادية المحيطة به مثل الملابس والأثاث والأكواب والملاعق والصحون والفواكه، ويمكن للوالدين الاستفادة من خامات البيئة لإجراء العديد من الأنشطة والألعاب الحسية التي تستثير حواس الطفل وتنمي مهارات التفكير لديه.

ومن الأساليب التربوية التي تعتمد على حاستي الشم والتذوق تدريب الأطفال على توظيف حاسة الشم في التمييز بين روائح المواد المختلفة لتزويده بمعلومات وحقائق عن طبيعتها وفوائدها، وتنمية مهارات التفكير لديه ليقوم بالتعميم والاكتشاف بنفسه والتوصل إلى استنتاجات صحيحة بخصوص مواد جديدة لم يسبق له أن تعرض لها بالشم أو التذوق.

ولكي يستمتع الطفل بالحياة المدرسية، لابد من تنمية الاستعداد الدراسي لديه ومنها الاهتمام المسبق بالحاسة التي يفضلها في عملية التعلم، فالأطفال الذين يعتمدون على حاسة السمع أو البصر في عملية التعلم لا يواجهون أي صعوبات تعليمية، لأن التعليم يعتمد على هاتين الحاستين، أما الأطفال الذين يحبون الحركة فيواجهون صعوبات تعليمية، وبالتالي لابد من تنمية الاستعداد الدراسي لديهم من خلال تشجيعهم على استخدام حواس متعددة.



[1] جعفر، أضواء بنت محمد بن إبراهيم (2019): منهج تربية حواس الطفل في الإسلام وتطبيقاته التربوية، مجلة البحث العلمي في التربية العدد 20، كلية التربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ص 309 - 330.

[2] هديل نعامنة (2020): أنشطة لتطوير الحواس الخمس عند الطفل، موقع  www.hyatoky.com، تاريخ زيارة الموقع 13 فبراير 2023م.

[3] هيا طلفاح (2022): أفكار أنشطة لتعليم الحوس الخمس للأطفال، موقعwww.mawdoo3.com  ، تاريخ زيارة الموقع 13فبراير 2023م.

[4] جعفر، أضواء بنت محمد بن إبراهيم (2019): منهج تربية حواس الطفل في الإسلام وتطبيقاته التربوية، مجلة البحث العلمي في التربية العدد 20، كلية التربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ص 309 - 330.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسائل تربوية 1

  العنوان  الرسالة أطفالنا مرآتنا: كيف تنعكس مشاكلنا عليهم؟ أطفالنا بالنسبة لنا كمرآة تعكس حياتنا.....