السبت، 25 مارس 2023

اللعب الجماعي وأهميته في نمو شخصية الطفل

 

اللعب الجماعي وأهميته في نمو شخصية الطفل

د. أحمد الربيعي

مدرب ومستشار مهني – جامعة العلوم والتكنولوجيا

عالم الطفل يغلب عليه اللعب، فاللعب يعد حاجة فطرية ونشاط تلقائي يمارسه الطفل للاستكشاف وتحقيق المتعة والسرور، وتظهر الحاجة إلى الألعاب الجماعية لدى الأطفال بعد سن السابعة حيث يميل الأطفال إلى الألعاب الجماعية المنظمة والتي تحكمها قواعد وقوانين واضحة، مثل ألعاب كرة القدم والكرة الطائرة وكرة السلة ولعبة الشطرنج وغيرها.

وسنتطرق في هذا المقال إلى أهمية اللعب الجماعي في نمو شخصية الطفل، حيث سنبدأ بتوضيح مفهوم اللعب الجماعي بأنه نوع من الأنشطة الترفيهية التي يشارك فيه مجموعة من الأطفال، ويتطلب تفاعلاً بين المشاركين والتوافق والتنسيق فيما بينهم لتحقيق الأهداف المشتركة، ويعرف بأنه نشاط تلقائي وموجه يكون على شكل حركة أو عمل، ويمارس جماعياً ويشغل طاقة الجسم الحركية والذهنية، ويمتاز بالسرعة والخفة ويرتبط بدوافع طبيعية متأصلة في كل طفل أهمها الاستمتاع، كما يعرف بأنه جميع الأنشطة التي يقوم بها الأطفال لإشباع حاجاتهم النفسية وتفريغ طاقاتهم بحيث يجدوا فيها متعة ولذة أثناء اللعب، والخلاصة أن اللعب الجماعي نشاط موجه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم العقلية والجسمية والوجدانية ويشبع رغباتهم ويحقق لهم المتعة والأمان وتوسيع الآفاق المعرفية.

أهمية اللعب الجماعي للطفل

للعب الجماعي أهميّة كبيرة في حياة الطفل حيث يساعده على النمو النفسي والجسمي والعقلي والحركي والاجتماعي واللغوي والأخلاقي، فاللعب لدى الطفل لا يقل أهميّة عن الأكل والشرب والتنفس، بل إنّ الطفل أحياناً يفضّله على الأكل والشرب، كما أن اللعب الجماعي يجنب الأطفال من الوقوع في الملل، حيث يندمج الأطفال في اللعبة ويكونوا أكثر حباً واستمتاعاً بها من أي شيء آخر.

 ويعد اللعب الجماعي ضرورة لنمو الأطفال وتطورهم، لأنه يوفر العديد من الفرص التي تساعد على نمو وتطوير المهارات الاجتماعية والإدارية والذهنية والبدنية لدى الاطفال، كما أنه يعدّ الطفل للحياة من خلال مواقف التعاون والتنافس والصراع والمكسب والخسارة والنجاح والفشل والحزن والسعادة التي تحدث أثناء اللعب الجماعي، بالإضافة إلى أن الألعاب الجماعية توفر للأطفال اكتساب وتبادل المهارات، فلكل طفل طريقته الخاصة في التعامل مع الألعاب، وبهذا تتوفر فرصة تناقل المهارات بين الأطفال.

وتؤكد الدراسات الحديثة أن لعب الأطفال هو أفضل وسيلة لتحقيق النمو الشامل المتكامل للطفل ففي أثناء اللعب يكتسب الطفل مهارات التفكير المختلفة كالفهم والإدراك والتذكر والتحليل والاستنتاج والتركيب والتقييم والإبداع، وتعد مواقف اللعب بمثابة خبرات حسية عملية، والطفل يتعلم ويتذكر المعلومة التي ترتبط بالخبرة الحسية والممارسة العملية بشكل أفضل، وتؤكد نظريات النمو على أن اللعب خلال سنوات الطفولة المبكرة من عمر الطفل هو الإستراتيجية الأولى والأكثر كفاءة لتعليم الطفل وتنمية شخصيته، فاللعب يستثير حواس الطفل وينمي جسمه نمواً سليماً كما ينمي لغته وعقله وذكاءه وتفكيره، فعن طريق اللعب يستطيع اكتساب أصعب المفاهيم العلمية، كما يؤدي اللعب دوراً أساسياً في تنمية القدرة على الابتكار، فالطفل وهو يلعب يحول موقف اللعب إلى أمر جدي ويبرز كل قوته ويتعامل بكامل مشاعره، وعندما يلعب الأطفال فهم لا يهتمون بتحقيق هدف معين وإنما يكتسبون سلوكيات تلقائية تساعدهم على حل مشكلاتهم الحياتية، كما أن اللعب يكشف عن حالة الطفل النفسية ويقودنا إلى علاجها، ومن الفوائد الصحية للألعاب الجماعية أنها تقلل من مخاطر السمنة والسكري وأمراض القلب وغيرها من المشكلات الصحية المرتبطة بنمط الحياة الخامل.

 كما تستخدم الألعاب الجماعية من قبل المعلمون كوسيلة للتعليم، مثل تعليم الحساب والحروف، وأسماء وأشكال وأصوات الحيوانات، وكذلك تعلّيم أنواع الفواكه وأعضاء جسم الإنسان والألوان، لا سيّما أنّ الطفل أثناء التعلّيم باللعب يكون له دور تفاعلي وليس مجرّد متلق سلبي كما يتم في التعليم التقليدي.

دور اللعب الجماعي في نمو شخصية الطفل

من أهم الأدوار التي يحققها اللعب الجماعي في نمو شخصية الطفل ما يلي:

1.    الدور الاستكشافي

اللعب الجماعي يكشف عن شخصية الطفل بشكل عام، فالطفل أثناء اللعب يتصرّف بتلقائية مما يسمح للمربين والوالدين من التعرّف على جوانب شخصيته، لا سيما التعرّف على قدرات الطفل ومهاراته مثل: الذكاء والإبداع ومهارات الاتصال، والتعرّف على نقاط ضعفه مثل: الخجل والانطواء والأنانية وضعف التصرّف واليأس والإحباط السريع، بالإضافة إلى التعرّف على المشكلات النفسية والسلوكية للطفل مثل: العناد والعصبية الزائدة والعنف والعدوان والخوف ونقص الثقة بالنفس والكذب، كما أن الطفل يستكشف العالم الخارجي ويتدرّب على التعامل معه.

2.    الدور الإنمائي

اللعب الجماعي ينمّي شخصية الطفل في جميع جوانبها الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية، ويمكن توضيح هذه الجوانب كما يلي:

-   النمو الجسمي والحركي: تتطلب الألعاب الجماعية من الأطفال الانخراط في ألعاب بدنية مثل الجري والقفز والرمي والإمساك والركل والتسلق، وهذه الألعاب تساعد على تحسين المهارات الحركية والتنسيق والتوازن والتآزر الحسي الحركي واللياقة البدنية العامة وتقوية الجسم، فالألعاب الجماعية تنمّي مفهوم الذات الجسمي،  من خلال تمرين أعضاء الجسم مما يساهم في نموّها وتقويتها وصحتها، كما ينمّي القدرات الحركية مثل المهارات اليدوية في ألعاب الكرة الطائرة وكرة السلة وكرة التنس، ومهارات الرجلين في لعبة كرة القدم.

-    النمو النفسي والعاطفي: تساعد الألعاب الجماعية الأطفال على تطوير الذكاء العاطفي من خلال تدريبهم على إدارة عواطفهم في بيئة تنافسية يتعلمون فيها التعامل مع النجاح والفشل بمرونة وتقبل، كما تنمو لديهم الثقة بالنفس وتقدير الذات وتحمّل الإحباط في حالة الفشل، وإظهار مشاعر المتعة والسعادة في حالة الفوز، والقدرة على التحدي والتغلب على المصاعب، ويتدرب الطفل كذلك على التحكم بالذات، من خلال احترام قوانين اللعب والالتزام بها، ومن ثمّ يتدرّب الطفل على احترام معايير الصواب والخطأ والحلال والحرام، وتنمية الصفات الخلقية، مثل: الصِّدق والأمانة والعدل، كما تنمو لديهم المرونة النفسية من خلال تبادل الأدوار والمهام والانتقال إلى الخطط البديلة عند الحاجة.

-    النمو العقلي والمعرفي: تساعد الالعاب الجماعية الأطفال على تطوير مهاراتهم المعرفية، حيث يتعلمون تحليل المواقف بسرعة واتخاذ القرارات بناء على الخيارات المتاحة مما ينمي لديهم القدرات العقلية والمهارات الذهنية مثل: الانتباه، والإدراك، والتركيز، والتفكير والاستبصار، والتخطيط للمستقبل، والتفاوض وحل المشكلات واتخاذ القرارات، كما يتعرّف الطفل أثناء اللعب على المفاهيم الجديدة مثل: الأوزان والأطوال والمسافات والأحجام، وينمّي الجوانب الإبداعية مثل: حبّ الاستطلاع والابتكار.

-    النمو الاجتماعي: توفر الألعاب الجماعية فرصة ممتازة للأطفال للتفاعل مع الآخرين وتقبلهم، وتطوير المهارات الاجتماعية مثل: التواصل الفعال والتعاون والعمل الجماعي والقيادة والتعاطف، والتعرف على عادات وقوانين المجتمع، حيث يتعلمون الدور المنوط بهم، والعمل ضمن فريق، واحترام نقاط القوة والضعف لدى بعضهم بعضا، وما يحدث داخل الفريق من التفاهم والتشاور والتعاضد والتضامن وتحقيق المكانة الاجتماعية.

-     النمو اللغوي: تتاح للأطفال أثناء اللعب الجماعي لا سيما في الألعاب الثقافية والفنية الحوار في إطار الفريق الواحد، أو التحدّث مع الآخرين من الفريق المنافس، أو التعبير عن الأفكار والمشاعر بحرية في المواقف المختلفة، مما يسهم في نمو الثروة اللغوية للطفل والقدرة على التحدث بشكل مؤثر، وتمكين الآخرين من فهم ميوله وحاجاته وقدراته.  

3.    الدور الوقائي

اللعب الجماعي يقي الطفل من العصبية الزائدة لأنّ اللعب يفرحه، ويقي الطفل من النشاط الحركي الزائد، وليس اللعب مجرد تنفيس عن انفعالات مكبوتة وإنّما هو نشاط يؤدِّي إلى إعادة الاتّزان الحيوي والنفسي في حياة الطفل، كما يقي الطفل من الاضطرابات العضوية، ومشاعر الخجل، والاكتئاب، والمخاوف، والشعور بالوحدة، ويعبّر الطفل من خلال اللعب عن صراعاته اللاشعورية، مثل: الخوف من الأب أو الأُم، أو من المدرسة، أو من الحيوانات، ومن ثمّ يتم تدارك هذه المخاوف بسرعة، فبمجرّد تكسير اللعبة هو تعبير عن عدوان الطفل نحو الأب أو الأُم، والطفل الذي يكون عنيفاً في اللعب يكون لديه مشكلة نفسية، ومن ثمّ يتم تداركها قبل أن تتفاقم، والطفل الذي تقع منه اللعبة كثيراً ربّما يكون السبب في ذلك نوبة صرع صغرى تفقده التحكم بالأشياء، وفي هذه الحالة يجب التدخل لعلاجه، واللعب يقي الطفل من السوك العدواني، فالغضب يؤدِّي إلى العدوان غالباً، ولكنّ اللعب فيه تنفيس للغضب حتى لا يزيد ويتحوّل إلى عدوان، كما أن اللعب الجماعي يقي الطفل من الأنانية والتمركز حول الذات.

4.    الدور العلاجي

اللعب الجماعي يساعد الطفل في التخلص من النشاط الحركي الزائد وفرط الحركة، وذلك من خلال تفريغ الطاقات الجسمية والانفعالية الزائدة بل استثمار الطاقات الزائد بدلاً من إهدارها، فالطاقة تخرج إمّا في اللعب وإمّا في العدوان، كما يساعد في التخلّص من العصبية، فاللعب يصفي صراعات الطفل اللاشعورية المكبوتة أثناء اللعب، كذلك يساعد الطفل في التعبير عن صراعاته بشكل مباشر، في حين أنّ الراشد يعبّر عن صراعاته بشكل غير مباشر للحفاظ على شكله وعلاقاته، كما يساعد الطفل في التخلّص من العناد، فعند اللعب يطلب الطفل من زميله رمي الكرة ثم يعيدها إليه ومع الاستمرار يتخلص من أنانيته وتمركزه حول ذاته، فيستجيب بسهولة وينفذ طلبات زملائه وأوامر قائد الفريق، ومن ثمّ يعتاد على تنفيذ الأوامر والنواهي ويقل عناده، كما أن اللعب الجماعي يخلّص الطفل من الخجل، والانطواء والشعور بالوحدة، والعنف والعدوان وذلك بتفريغ الطاقات السلبية مما يساهم في تكوين شخصية مستقرة عاطفياً واجتماعياً ومبدعة، ويخلّص الطفل من الاكتئاب عندما ينفتح مع زملائه ويشاركهم اللعب، وشعوره بحبّ والديه ومربيه عندما يسمحون له بممارسة اللعب، ويخلّص الطفل من المخاوف، فلو أنّ طفلاً يخاف من الغرق أثناء السباحة، ففي ظل الأجواء الجماعية وتجهيزه بأدوات السباحة وتدريبه مع زملائه لعدة مرات ستقل مخاوفه وتنتهي بالتدريج، كما يستخدم اللعب في الثواب والعقاب، فالثواب أن يقوم المربي بإشراك الطفل في اللعب في حالة مكافأته على سلوك جيِّد، وحرمانه من اللعب عند العقاب.

ختاما تعد الألعاب الجماعية ضرورية لنمو الأطفال وتطورهم، لأنها تهيئ العديد من فرص النمو الجسمية والعقلية والاجتماعية والعاطفية مع تعديل نمط الحياة الصحي، لذا يجب على الآباء والأمهات والمربون تشجيع أطفالهم على المشاركة في الألعاب الجماعية من سن مبكرة لمساعدتهم على النمو، حتى يصبحوا أفراداً ذو لياقة جسمية وعقلية ونفسية، الأمر الذي يمكنهم من المساهمة بشكل إيجابي وفعال في المجتمع.

 

المراجع:

1.  جلاب مصباح، بعايري حسان (2021). أهمية اللعب في حياة الطفل ووظائفه ونظرياته وأدواره التربوية والاجتماعية، مجلة الراصد لدراسات العلوم الاجتماعية، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر، المجلد1(1)، ص47-69.

2.  حميدة فرج إبراهيم الفرجاني (2021). دور اللعب في تنشئة الطفل من الناحية الاجتماعية والثقافية- رؤية مستقبلية، مجلة القرطاس، كلية التربية، جامعة طرابلس، العدد 16، ص 300- 322.

الأحد، 19 مارس 2023

كيف نربي طفلاً فاعلاً اجتماعياً؟

 

كيف نربي طفلاً فاعلاً اجتماعياً؟

د. أحمد عبادي الربيعي
باحث تربوي ومستشار مهني – جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية

تظهر الفاعلية الاجتماعية للأفراد وسط مجتمعاتهم التي يعيشون فيها أو مؤسساتهم التي يعملون بها كنتيجة لعملية تربوية طويلة تستمر خلال العقدين الأول والثاني من العمر؛ أي خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة، ففي مرحلة الطفولة الوسطى تحديداً يحدث نمو للفرد في جميع الجوانب الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، ويعد النمو الاجتماعي للطفل من أهم الجوانب التي يجب أن تأخذ حقها من الرعاية والعناية والتربية حتى ينمو الفرد نمواً متكاملاً يؤهله ليكون عضواً مؤثراً وفاعلاً في مجتمعه وموجهاً وقائداً في مهنته.

ونظراً لما نلاحظه من قصور من قبل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والآباء والأمهات والمربون والمعلمون في تحمل مسؤولياتهم والقيام بأدوارهم التربوية في إعداد النشء على الفاعلية الاجتماعية، حيث أصبحت أدوارهم شكلية لا تحدث أي أثر إيجابي في شخصية الطفل سوى تلقين بعض المعلومات وتحفيظ بعض العبارات دون أن تتحول هذه الأفكار والمعلومات إلى سلوك وأخلاق في شخصية الطفل، فسنتطرق في هذا المقال إلى مناقشة بعض الأساليب التربوية الناجحة والقصص الملهمة التي تساعد الوالدين والمربين على تطوير أساليبهم التربوية، للمساهمة في تربية الأطفال وتنشئتهم على النشاط الإيجابي والفاعلية الاجتماعية في محيطهم الأسري والمجتمعي.

  وللإجابة على عنوان المقال: كيف نربي طفلاً فاعلاً اجتماعياً؟ سنبدأ بتوضيح مفهوم الفاعلية الاجتماعية بأنها القدرة على التأثير على الآخرين وتغيير سلوكهم وآرائهم ومعتقداتهم ومشاركتهم في العمل الجماعي لتحقيق أهداف معينة، كما تعني قدرة الفرد على استمرارية وديمومة علاقاته الاجتماعية والتأثير عليها وتوجيهها لتحقيق الأهداف المرجوة، وتتطلب الفاعلية الاجتماعية مهارات اجتماعية متعددة مثل الاتصال الفعال والتعاون والتعاطف والتفكير الناقد وحل المشكلات واتخاذ القرارات.

أهمية الفاعلية الاجتماعية والعوامل المؤثرة فيها

في تراثنا الإسلامي نجد أن أوائل السور المكية ركزت على الفاعلية الاجتماعية لجيل الدعوة الأول حين أمرتهم بالقيام على أمر اليتيم والمحتاج وبذل المال ومواساة الضعفاء واحتوائهم، قال الله تعالى: "فأما اليتيم فلا تقهر** وأما السائل فلا تنهر" (الضحى، 9-10)، وقال عز وجل: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً " (الإنسان، 8)، فالفاعلية مهمة في الحياة الاجتماعية وهي مفتاح النجاح في العديد من المهن والوظائف المختلفة، فالأطفال الذين نشأوا في ظروف اجتماعية تفاعلية ومنفتحة حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، كما كان لهم الفضل في تحقيق نجاحات لمجتمعاتهم، وعلى النقيض من ذلك الأطفال الذين نشأوا في بيئات اجتماعية انطوائية وغير تفاعلية لم يحققوا نجاحات بارزة على المستوى الشخصي أو المجتمعي.

وتتأثر فاعلية الطفل في المجتمع بطبيعة العلاقة بين الوالدين واتجاهاتهما وطريقة تنشئتهما له والنمط التربوي السائد في الأسرة، فالأجواء النفسية والفكرية والعاطفية للأسرة تمنح الطفل القدرة على التوافق مع نفسه وأسرته ومجتمعه، كما تتأثر فاعلية الطفل بزيادة وعيه بذاته وزيادة إدراكه للبيئة الاجتماعية وما فيها من علاقات، وزيادة مشاركته الاجتماعية، وتوسيع قاعدة التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة ومع الأقران، وتشكيل المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية، بإدراك الخطأ والصواب، وإنماء صداقات مع الأطفال الآخرين واللعب معهم، ومحاولة جذب انتباه الراشدين من حوله للحصول على الثناء والتقدير[1].

 

 

المهارات اللازمة للفاعلية الاجتماعية

الطفل لديه حماس للعمل والتعاون والمشاركة وتحمل المسؤولية بهدف الاعتماد على نفسه والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، ولكن تنقصه المهارات التي تمكنه من تحقيق الفاعلية الاجتماعية في محيطه، وبالتالي يجب تدريب الأطفال على بعض المهارات التي تجعلهم مؤثرين في المجتمع، وتمكنهم من إدارة علاقاتهم الاجتماعية بشكل فعال، ومن أهم هذه المهارات:

1.    التفاعل الاجتماعي

تتضمن الاندماج مع الزملاء، ودعوتهم للاشتراك في النشاط الذي يهتم به، وتشجيعهم ومدحهم والثناء عليهم أثناء النشاط، وإعطاء الاهتمام للنشاط وبذل أقصى جهده لإنجاحه، ومتابعة الأحداث الاجتماعية باستمرار، كما تتضمن احترام مشاعر الآخرين، والمبادرة بالحديث مع القدرة على التحدث الجيد والاستماع الجيد، وسهولة تكوين الأصدقاء، وتقبل اقتراحات الزملاء، واتباع التعليمات المدرسية.

2.    المهارات الاتصالية

تتضمن قدرة الطفل على التعبير عن الأفكار والمشاعر بوضوح ودقة، كما تشمل التحدث مع الآخرين والاستماع بفهم لهم، والتعبير عن رأيه في النشاط الذي يشارك فيه، وتفقد زملاؤه والسؤال عنهم، والتلامس البصري بينه وبين الأشخاص الذين يحدثهم أو يتحدثون إليه.

3.    الثقة بالنفس

أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يثقون بأنفسهم يؤدون الأعمال بكفاءة عالية، ويتعاملون مع المواقف الاجتماعية باستقلالية، ويعبرون عن رأيهم بوضوح وصراحة، والحب هو المفتاح الأول لبناء الثقة بالنفس عند الطفل، كما أن تقديم المدح له، وزيادة وعيه بأهدافه في الحياة، وتدريبه على الاستقلالية والمرونة وتشجيعه على ممارسة أنشطة بدنية، وممارسة الألعاب، وتدريبه على إدارة علاقاته مع الآخرين يزيد من ثقته بنفسه.

4.    التعاطف

يعد التعاطف من أهم العوامل لبناء العلاقات الاجتماعية الجيدة، ويتضمن فهم مشاعر الآخرين وتقديم الدعم النفسي والتشجيع المعنوي لهم في الوقت المناسب، ومشاركة الآخرين في أفراحهم وأتراحهم، وعندما يُظهر الطفل تعاطفه مع الآخرين ستقوى علاقاته الاجتماعية معهم، وتتسع دائرة تأثيره في البيئة التي يعيش فيها.

5.    التحكم بالانفعالات

التحكم بالانفعالات من المهارات المكتسبة التي تساعد الطفل على تفادي التوترات الاجتماعية وتعزز القدرة على التعامل مع المواقف المختلفة بحكمة، وتشمل القدرة على ضبط الانفعالات وتنظيمها، والتدرب على أنماط الشخصية المقبولة اجتماعياً كالحلم والأناة، مصداقا لقول الرسول (ص) لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتان يحبهما الله، الحلم والأناة" رواه مسلم.

6.    الثقافة الواسعة

حتى يكون الطفل ذو فاعلية اجتماعية لابد أن ترنو إليه أنظار المجتمع من حوله ويشار إليه بالبنان وأن يكون كالشامة بين زملائه، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال    اكتساب ثقافة واسعة والتفوق على أقرانه بخطوات كبيرة في هذا الجانب، والثقافة تكتسب بالتدرب على مهارات القراءة الموجهة والمشاهدات الهادفة والبحث والتلخيص والكتابة[2].  

الاستراتيجيات التربوية لتنمية الفاعلية الاجتماعية لدى الأطفال

يستطيع المعلمون والآباء والأمهات والمربون استخدام استراتيجيات تربوية تنمي لدى الأطفال الفاعلية الاجتماعية والنشاط والحيوية، ومن أهم هذه الاستراتيجيات:

1.    النمذجة

 تعد النمذجة من الاستراتيجيات التربوية الحديثة لا سيما في مرحلة الطفولة، فالطفل يتأثر كثيراً بالنماذج والقدوات التي يشاهدها مباشرة أو يسمع قصصاً عنها، وغالباً ما يتشبه بأقوى شخصية حوله ليقتدي بها، فتجده يقلد المشاهير ويتقمص شخصياتهم ويحاكي سلوكياتهم، فتظهر الموضات والتقليعات الغريبة، لذا يجب على المربين والآباء والأمهات تحمل مسؤولياتهم في إبراز النماذج المناسبة للطفل، والابتعاد عن العقوبة والتأنيب والتقليل من قيمة الطفل وازدرائه، ومن أهم النماذج رسولنا محمد (ص) القدوة والأسوة الحسنة، فلابد من ترسيخ حبه في نفس الطفل ليتشبه ويقتدي به، فمشاعر الطفل تتحرك وفق هذا الحب، بالإضافة الى النماذج التي قدمها الأنبياء والخلفاء والفاتحون والعلماء والمؤثرون في مجتمعاتهم، لابد من تنزيلها على الأطفال بقوالب تعليمية وتربوية مشوقة ومبسطة حتى يحبونها ويتأثرون ويعتزون بها وبالتالي تقليدها ومحاكاة سلوكياتها وأفعالها، كما يعد الآباء والمربون في موضع القدوة للطفل ولابد أن يكونوا نماذج إيجابية في الفاعلية الاجتماعية، مثل الانفتاح والتواصل مع الآخرين والتعايش معهم، والالتزام بالسلوك الإيجابي، وحسن الجوار، وتقديم العون للمحتاجين، والمساهمة في إنجاح المشاريع والمبادرات التي تعود بالنفع على المجتمع، فهذه كلها تترسخ في وجدان الطفل وتحفزه لتقليدها عندما تتاح له الفرصة لذلك.

2.    المشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية

تدريب الأطفال على العمل التطوعي يساعدهم على اكتشاف أنفسهم وتوظيف مواهبهم وتنميتها، كما يساهم في إشباع احتياجاتهم النفسية مثل التقدير والحب والانتماء وبالتالي تكوين شخصية إيجابية، كما يكتسب الأطفال مهارات كثيرة كالعمل الجماعي والتعامل مع الناس وإدارة الخلافات، والتعرف على أصدقاء فاعلين وإيجابيين جدد، وينمي لديهم الخصائص الإيجابية كالسخاء والتواضع وسعة الصدر، ويخلصهم من بعض الصفات السلبية كالأنانية والغرور.

ومن الأنشطة التي تعزز الفاعلية الاجتماعية لدى الأطفال إشراكهم في أنشطة اجتماعية مثل حملات النظافة العامة للمدرسة أو الحي السكني، أو توزيع الملابس الفائضة عن الحاجة للمحتاجين، أو تزيين الفصول الدراسية، أو غرس الأشجار وريها، بالإضافة إلى تدريب الأطفال على الاعتماد على النفس في إنجاز أعمالهم وشؤونهم الخاصة من ارتداء الملابس وتركيب الألعاب وتناول الطعام وشراء بعض احتياجات البيت.

كما أن تفعيل فكرة الشعور بالآخرين والمبادرة إلى مساعدتهم مثل الوالدين والإخوة والجد والجدة، وترديد أناشيد وقصص تحمل مفاهيم التعاون مع الآخرين، وعمل برنامج زيارات للأطفال إلى المؤسسات الخيرية للاطلاع على ما يقومون به من خدمات اجتماعية وذلك لتنمية الميول الإيجابية لديهم نحو مساعدة الآخرين، وتحفيزهم على القيام بالأدوار الاجتماعية المتعددة.

3.    التدريب على الفاعلية الاجتماعية

تعد الفاعلية الاجتماعية من الخصائص المكتسبة التي يمكن تدريب الأطفال عليها، وتتم من خلال تنمية مهارات التفاعل الاجتماعي والاتصال الفعال والثقة بالنفس والتعاطف والتحكم بالمشاعر وزيادة منسوب الثقافة العامة، ومن أهم التدريبات لتنمية الفاعلية الاجتماعية لدى الأطفال ما يلي:

-   الانصات الفعَّال، ويتم تدريب الطفل عليها بالنظر إلى المتحدث بطريقة هادئة، وترك المتحدث ينهي كلامه وعدم مقاطعته، والاهتمام بما يقوله والإيماء بالرأس لإبداء ذلك، وفهم الحالة النفسية للمتكلم.

-   التحدث والإلقاء المؤثر من خلال تدريب الأطفال على فن الخطابة والإلقاء، والمشاركة في برامج الإذاعة المدرسية والاحتفالات والأنشطة والفعاليات الجماهيرية.

-   التعاون مع الآخرين وطلب مساعدتهم عند الحاجة، من خلال تدريب الأطفال على التصرف الإيجابي في الأنشطة التي تستلزم التعاون، مثل إقامة حفل أو ترتيب المنزل أو تزيين الفصل المدرسي.  

-   تكوين صداقات جديدة والمحافظة عليها وتبادل الهدايا مع الأصدقاء امتثالاً لقوله (ص): " تهادوا تحابوا " رواه البخاري، والتدرب على تذكر الأسماء والوجوه.

-   فهم الإشارات غير اللفظية ولغة الجسد والتدرب على إتقانها، ومن أهمها البشاشة وطلاقة الوجه والابتسامة، وقد أكد عليها رسولنا الكريم
(ص) بقوله " وتبسمك في وجه أخيك صدقة" رواه الترمذي.

-   تدريب الأطفال على إطلاق وإدارة المبادرات الاجتماعية في حدود قدراتهم للمساهمة في تطوير المجتمع وتحسينه، مثل تكوين فريق لنظافة الحي السكني، ونظافة المسجد، أو فريق لتوزيع وجبات غذائية وحقائب مدرسية على الطلبة المحتاجين وغيرها.

الخلاصة أننا نستطيع كآباء وأمهات ومربون ومعلمون أن نربي أطفالاً ذوي فاعلية اجتماعية من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات التربوية وما تتضمنه من تدريبات عملية ومهارية، وغيرها من الأساليب التربوية التي يمكن أن يبدعها الوالدان والمربون حسب الزمان والمكان والإمكانيات المتاحة، إلا أن الأطفال لن يكونوا بنفس الكفاءة من الفاعلية والنشاط الاجتماعي نظراً للفروق الفردية بينهم واختلاف الميول النفسية وأنماط الشخصية، فالأطفال الذين لديهم ميول اجتماعية وقيادية ستكون فاعليتهم الاجتماعية أعلى من غيرهم.



[1] الصغير، حصة بنت محمد بن فالح(1429هـ): تعامل الرسول مع الأطفال تربوياً، كتاب الأمة، العدد (128)، مركز البحوث والدراسات، قطر.

[2] مروان سليمان سالم الددا (2008)، فعالية برنامج مقترح لزيادة الكفاءة الاجتماعية للطلاب الخجولين في مرحلة التعليم الأساس، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم علم النفس، كلية التربية، الجامعة الإسلامية بغزة.

الحواس الخمس أهميتها وتوجيهها لدى الاطفال

 

الحواس الخمس

أهميتها وتوجيهها لدى الطفل

د. احمد الربيعي 

تعد الحواس من المكونات الفسيولوجية للإنسان، ويمتلك الطفل خمس حواس أساسية هي السمع وأداتها الأذن، والبصر وأداتها العين، والشم وأداتها الأنف، والتذوق وأداتها اللسان، واللمس وأداتها الجلد، ويلاحظ أن كل حاسة من الحواس الخمس لها طبيعة خاصة بها، فكل من حواس البصر والسمع واللمس تتم وفق عمليات فيزيائية، بينما حاستي الشم والتذوق تتم وفق عمليات كيميائية، كما أن لكل حاسة وظيفة معينة تؤديها، وأجهزة استشعار أو حساسات مرتبطة بها ترسل الإشارات إلى الدماغ، وفي مرحلة الطفولة المبكرة يكون الإدراك كله حسياً، حيث يقوم الطفل بالتواصل عن طريق الحواس مع عالمه الخارجي، فبواسطتها يدرك ويتعلم ما يدور حوله من مثيرات حسية، وبالتدريج تنمو لديه القوى الحسية وتصبح أكثر تمايزاً ونضجاً.

 والحواس الخمس من نعم الله تعالى على الإنسان، وقد وهبها الله تعالى للطفل في مراحل حياته الأولى لتساعده على اكتشاف البيئة المحيطة به، والتعرف عليها ونقل المعلومات إلى الدماغ لتحليلها وفهمها والتفاعل معها بالطريقة المناسبة ليمارس حياته الطبيعية.

أهمية الحواس الخمس لدى الطفل

تقوم الحواس الخمس بدور كبير ومهم في حياة الطفل، فبواسطتها يعاد تشكيل شخصيته من كائن بيولوجي لا يعلم شيئاً إلى خليفة الله في الأرض، قال تعالى "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " (النحل، 78)، ذلك أن عملية التفاعل بين الطفل وبيئته تتكون من مدخلات وعمليات ومخرجات، فالمدخلات والمخرجات تتم عن طريق الحواس المختلفة، وأما العمليات فيقوم بها العقل.

يلاحظ أن نمو الحواس الخمس لدى الطفل له تأثير إيجابي على نمو شخصيته في جميع الجوانب، فالنمو العقلي يتأثر بالمدركات الحسية ويتطور بفعل الخبرة والتعلم، حيث إن حواس الطفل تسجل مثيرات البيئة الخارجية وتنتقل عبر الجهاز العصبي إلى الدماغ ليعطيها المعاني المنطقية، كما يؤثر النمو الحسي على النمو الانفعالي للطفل، فصوت الأم ولمساتها ورائحتها تساعده على الاسترخاء والشعور بالراحة والطمأنينة والهدوء، كما يساعد نمو حاسة السمع على النمو اللغوي، ومن هذا المنطلق يجب تعويد الطفل على الاستماع والإصغاء للقصص والأناشيد والألعاب اللفظية؛ التي تشجع على الكلام والتعبير الشفوي، وقد أثبتت الدراسات التجريبية أن الأطفال الذين تعودوا على الاستماع الجيد كان نموهم اللغوي سريعاً وجيداً.[1]

وتعد العمليات الحسية أول مرحلة من مراحل المعرفة والتعلم لدى الطفل، وهذا يعتمد على سلامة أعضاء الحواس لديه، فأي خلل يصيبها يقلل من كفاءتها ويعطلها عن أداء دورها، وبالتالي لابد من تعويد الطفل على الالتزام بالتوجيهات الإرشادية والصحية للمحافظة عليها والاعتناء بها وتأمين سلامتها، وقد بينت الشريعة الإسلامية الآداب التي تساعد المسلم للمحافظة على سلامة حواسه، ومن هذه الآداب شكر الله سبحانه وتعالى المتفضل علينا بهذه النعم، وهذا يقتضي النأي بالطفل عن النظر إلى العورات والمحرمات لاسيما ونحن في عصر المغريات البصرية، وتعويده على خفض الصوت حين التحدث مع الآخرين حتى لا يزعجهم ويؤذيهم. وقد وردت قصة لطيفة عن أبي الطيب الطبري أحد علماء المسلمين أنه كان راكباً على ظهر سفينة وهو في السبعين من عمره، فلما اقترب من البر قفز إلى الشاطئ، وكان بجواره شباب أرادوا أن يقفزوا فما استطاعوا، فقالوا له: كيف استطعت وما استطعنا وأنت شيخ كبير؟ قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر، فحفظها الله لنا في الكبر.

 تنمية الحواس الخمس لدى الطفل

يحدث نمو سريع للطفل في مرحلة الطفولة المبكرة في جميع جوانب النمو، ويجب على الوالدين والمربين تهيئة بيئة غنية بالمثيرات الحسية للطفل، وإثرائها بالألعاب والأنشطة التي تنمي المدركات الحسية لديه، ومن هذه الأنشطة ما يلي:

1.   تنمية حاسة البصر: يستطيع الآباء والأمهات والمربون تنمية حاسة البصر لدى أبنائهم من خلال الألعاب البصرية مثل لعبة المطابقة، وذلك بقص مجموعة من الصور إلى أربع قطع أو أكثر ثم بعثرتها والطلب من الطفل إعادة تركيبها بشكل صحيح، وتطوير مسابقات مشابهة تغذي الإحساسات البصرية.

كما يتم تحفيز حاسة البصر من خلال تعريض الطفل مباشرة للمناظر الطبيعية من خلال الرحلات إلى الأماكن الطبيعية، حيث يتعرف على حقيقة الأشياء كالهواء الطلق، والمياه النقية، وزرقة السماء، وألوان الزهور، وطبيعة الأحجار، وأشكال الحيوانات والنباتات، ويمكن تحفيز حاسة البصر بتزيين غرف الطفل في البيت والمدرسة، وتلوين ساحات اللعب بالألوان الزاهية وتلوين الألعاب والحوائط والكتب والأثاث، وتدريب الطفل على مزج الألوان الأساسية لإنتاج ألوان جديدة، واستخدام الألعاب الحركية التي تسهم في تنمية التركيز البصري، وللحفاظ على سلامة حاسة البصر يجب العناية بالعين وعدم العبث بها، واستخدام الإضاءة الجيدة عند القراءة وتجنب الإضاءة القوية والغبار وكل ما يسبب ضرر على العين[2]. 

2.  تنمية حاسة السمع: توجد العديد من الأنشطة والألعاب والطرق التي تساهم في تطوير حاسة السمع، لعل أهمها هو التحدث الكثير مع الطفل وإخباره عن كل شيء حتى وإن لم يستوعب ذلك، كما أن سماع الأناشيد ذات الصوت الجميل تعد من أهم الوسائل لتحفيز حاسة السمع، وكذلك الألعاب التي تصدر أصواتاً وأنغاماً ماتعة، بالإضافة إلى تعريض الطفل إلى الأصوات في البيئة الطبيعية مثل زقزقة العصافير، وهديل الحمام، وخرير الماء، وصهيل الخيول، وصوت الرعد وغيرها. ولتأمين سلامة حاسة السمع يجب إبعاد الطفل عن الأصوات القوية أو الحادة وأماكن الضوضاء والضجيج، وتنظيف الأذنين بحذر وعدم إدخال أي أشياء حادة فيهما.

3.  تنمية حاسة الشم: لتنمية حاسة الشم لدى الطفل نبدأ بالتوضيح للطفل بوجود روائح طيبة وروائح كريهة، وإعطائه أمثلة على ذلك من الواقع الذي يعرفه جيداً، ومن الألعاب التي تنمي حاسة الشم إخفاء مجموعة من الأشياء التي لها روائح قوية داخل البيت، ثم الطلب من الطفل البحث عنها عن طريق الشم، وعمل منافسات بين الأطفال، ولتأمين حاسة الشم يجب المحافظة على الأنف من اللكمات والكسور وشم الروائح الخطيرة.

4.  تنمية حاسة اللمس: تنمو حاسة اللمس لدى الطفل من خلال ملامسته للأشياء المادية الموجودة في بيئته المحيطة، فمن خلال تنويع الألعاب يتعرف الطفل على ملمس الألعاب القماشية والخشبية والبلاستيكية، فيتعرف على خصائص هذه المواد، بالإضافة إلى تعويد الطفل على الإمساك بطعامه حتى وإن أدى إلى اتساخ ملابسه أومكانه، وكذلك احتضان الطفل والتربيت على ظهره بلطف ينمي حاسة اللمس لديه ويشعره بالدفء والحنان والاحتواء، ويظهر هذا النمو جليا عندما يقوم الطفل بمحاكاة ذلك بالتربيت على ظهر والده ووالدته واحتضانهم، وللمحافظة على حاسة اللمس يجب العناية ببشرة الطفل وحمايتها من أشعة الشمس الضارة ومن الأدوات الحادة التي تسبب الجروح[3].

5.  تنمية حاسة التذوق: يمكن للأم تطوير حاسة التذوق لدى طفلها من خلال تعريفه بالمذاقات المختلفة للأطعمة والأشربة والفواكه والخضروات حتى يستطيع التمييز بين المذاقات الأربعة المالح والحلو والحامض والمر.

التوجيه التربوي لحواس الطفل

يعد اللعب من أهم الأساليب التربوية لتنمية حواس الطفل وتوجيهها، باعتباره نشاطا تلقائيا يهيمن على معظم نشاطات الطفل، ومن خلال الألعاب الموجهة والهادفة مثل ألعاب الجري والقفز والتسلق والسباحة والرمي وغيرها، يتمكن الوالدان والمربون من تدريب الطفل على التعبير عن ذاته وزيادة ثروته اللغوية والتغلب على عيوبه في النطق والتحكم بصوته وتعبيرات وجهه ولغة جسده.

ويعد اللمس أكثر الحواس نضجاً واكتمالاً في مرحلة الطفولة المبكرة، ومن الأساليب التربوية المرتبطة بحاسة اللمس، المسح على رأس الطفل ومصافحته بالسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصافح الصبيان ويمسح على رؤوسهم، ليرفع من تقديرهم لذاتهم ويرفع من شأنهم ويشعرهم بالأهمية والأمان[4].

 ومن الأساليب التربوية التي تعتمد على حاسة السمع الحوار الهادئ مع الطفل، لكي تنمو مهارات التفكير لديه ويوسع عقله ومداركه، فتعويد الطفل على المناقشة والحوار يساعده على التعبير عن حقوقه وطرح الأسئلة بحرية في جو بعيد عن الخجل والتوتر والخوف، وهذا يحدث انطلاقة فكرية للطفل مما يزيد من ثقته بنفسه وتتسع مداركه نحو طلب العلم ومجالسة العلماء والمفكرين، فيصبح لوجوده أثر ولآرائه الفكرية قبول، والسبب يعود إلى التدريب والرعاية التي حصل عليها في بيته أو محضنه التربوي.

كما يمكن للوالدين والمربين استخدام الأساليب التربوية السمعية بضرب الأمثال للاتعاظ والاعتبار بها، فالأمثال تقرب المفاهيم وتبسطها وتجسدها حتى تٌفهم وتستوعب بشكل أفضل، بالإضافة إلى فن الإنشاد الذي يؤثر في المشاعر وينشطها ويوصل الرسالة إلى الطفل بقالب فني مشوق ومحبب، مما يسهل عليه حفظها وتذكرها وتمثل القيم التي تدعو لها في حياته العامة.

ومن الأساليب التربوية التي تعتمد على حاسة البصر، تصميم الرسوم وصناعة المجسمات التي تجسد المعارك التاريخية للمسلمين والمقدسات الإسلامية، والعادات والتقاليد المجتمعية والقيم والأخلاق، وقد تطورت حديثاً هذه الوسائل باستخدام البرامج الحاسوبية التي تضفي على الرسم الحركة والألوان والأصوات المناسبة للطفل، ومنها انتاج الرسوم المتحركة، وتعد الأساليب البصرية من أكثر الأساليب تأثيراً في شخصية الطفل، كما أن الطفل يتأثر بالأشياء المادية المحيطة به مثل الملابس والأثاث والأكواب والملاعق والصحون والفواكه، ويمكن للوالدين الاستفادة من خامات البيئة لإجراء العديد من الأنشطة والألعاب الحسية التي تستثير حواس الطفل وتنمي مهارات التفكير لديه.

ومن الأساليب التربوية التي تعتمد على حاستي الشم والتذوق تدريب الأطفال على توظيف حاسة الشم في التمييز بين روائح المواد المختلفة لتزويده بمعلومات وحقائق عن طبيعتها وفوائدها، وتنمية مهارات التفكير لديه ليقوم بالتعميم والاكتشاف بنفسه والتوصل إلى استنتاجات صحيحة بخصوص مواد جديدة لم يسبق له أن تعرض لها بالشم أو التذوق.

ولكي يستمتع الطفل بالحياة المدرسية، لابد من تنمية الاستعداد الدراسي لديه ومنها الاهتمام المسبق بالحاسة التي يفضلها في عملية التعلم، فالأطفال الذين يعتمدون على حاسة السمع أو البصر في عملية التعلم لا يواجهون أي صعوبات تعليمية، لأن التعليم يعتمد على هاتين الحاستين، أما الأطفال الذين يحبون الحركة فيواجهون صعوبات تعليمية، وبالتالي لابد من تنمية الاستعداد الدراسي لديهم من خلال تشجيعهم على استخدام حواس متعددة.



[1] جعفر، أضواء بنت محمد بن إبراهيم (2019): منهج تربية حواس الطفل في الإسلام وتطبيقاته التربوية، مجلة البحث العلمي في التربية العدد 20، كلية التربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ص 309 - 330.

[2] هديل نعامنة (2020): أنشطة لتطوير الحواس الخمس عند الطفل، موقع  www.hyatoky.com، تاريخ زيارة الموقع 13 فبراير 2023م.

[3] هيا طلفاح (2022): أفكار أنشطة لتعليم الحوس الخمس للأطفال، موقعwww.mawdoo3.com  ، تاريخ زيارة الموقع 13فبراير 2023م.

[4] جعفر، أضواء بنت محمد بن إبراهيم (2019): منهج تربية حواس الطفل في الإسلام وتطبيقاته التربوية، مجلة البحث العلمي في التربية العدد 20، كلية التربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ص 309 - 330.

رسائل تربوية 1

  العنوان  الرسالة أطفالنا مرآتنا: كيف تنعكس مشاكلنا عليهم؟ أطفالنا بالنسبة لنا كمرآة تعكس حياتنا.....