تقييم
العلاقة بين الآباء والأبناء
بقلم
د. أحمد عبادي أحمد الربيعي 
استاذ
مساعد علم النفس التربوي - جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمن 
تُعد العلاقة بين الآباء والأبناء من أهم العلاقات
الإنسانية وأكثرها تأثيراً على شخصيّة الأبناء، وهي من العلاقات التبادلية،
فالآباء يؤثرون في شخصية أبنائهم، والأبناء يؤثرون في شخصية والديهم لا سيما في
مرحلة المراهقة التي تزداد فيها الفجوة بين الطرفين؛ نظراً لرغبة الأبناء في
الحصول على مزيد من الحرية والاستقلال ورفض رموز السلطة. 
وتعرَّف العلاقة بين الآباء والأبناء بأنها مجموعة من
التفاعلات المتبادلة بين الوالدين والأبناء تسهم في تشكيل الأنماط الشخصية للأبناء،
ويمكن قياسها من خلال تقييم مهارات الأبوة والأمومة ومواقف وسلوكيات الوالدين تجاه
أبنائهم، ويكون الهدف غالباً من تقوية العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، هو إكساب
الأبناء المعارف والخبرات، وتكوين السمات الشخصية المرغوبة، ومساعدتهم على التمتع
بالاستقرار والتوازن النفسي، وتحقيق الشعور بالانتماء للأسرة والوطن الذي يعيشون
فيه. 
وتتشكل العلاقة بين الآباء والأبناء من خلال وسائل متعددة
أهمها الحوار والتشاور والمشاركة والتفاهم والإقناع والاستماع والإنصات والاهتمام
بأفعالهم وأقوالهم والتفاعل والتعاون والتوافق والتوجيه والمساعدة والإجابة على
تساؤلاتهم[1].
أسباب
ضعف العلاقة بين الآباء والأبناء
ضعف العلاقة بين الآباء وأبنائهم تأتي كنتيجة لمقدمات
وأسباب تتعلق بالآباء أو الأبناء، أهمها التنشئة الاجتماعية السلبية التي خضع لها
الوالدان منذ مرحلة الطفولة والتي تتسم بالعادات الاجتماعية التقليدية والتي تكرس مبدأ
السمع والطاعة وانعدام الحوار، وعدم الاستماع لآراء وأفكار ومقترحات الأبناء، وضعف
التحدث أو فتح موضوعات للنقاش معهم، بالإضافة إلى ضغوط العمل والمتطلبات الأسرية
المرهقة للوالدين، التي تشغلهم عن متابعة أبنائهم أو التواصل معهم، كما أن وجود
فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء يجعل الآباء لا يفهمون احتياجات أبنائهم فتتسع
الهوة بينهم مع مرور الوقت، فيصعب التقارب بين الطرفين، أيضاً الخلافات والمشاحنات
بين الوالدين ومشكلات الانفصال والطلاق تكون سبباً في إحداث توتر داخل الأسرة مما
ينعكس على ضعف العلاقة بين الآباء والأبناء وبين الأبناء أنفسهم.
وفيما يتعلق بالأبناء فهناك مغريات كثيرة تمنعهم من التواصل
والحوار وتقوية العلاقة مع آبائهم أهمها وسائل التواصل الاجتماعي، وجماعة الرفاق،
ومتابعة الفيديوهات والألعاب الالكترونية، وغيرها من الوسائل التي يلجأ إليها
الأبناء لشغل أوقاتهم والهروب إلى الواقع الافتراضي بعيداً عن سلطة الوالدين
والأقارب.
أصناف
العلاقات بين الآباء والأبناء 
يمكن تصنيف العلاقة بين الآباء والأبناء إلى صنفين هما:
·  
العلاقات الآمنة: هي علاقات إيجابية يشعر الأبناء باهتمام
والديهم وحبهما ورعايتهما لهم، وأنهم جاهزون دائماً لدعمهم عند الحاجة، وتتسم بما
يلي:
1.  تقبل الأبناء
وتوفير الأمان لهم وإشعارهم بالدفء والحنان أثناء التواصل معهم، فتنشأ الثقة
المتبادلة، مما يجعل الأبناء يصرحون لآبائهم ومن يثقون فيهم بكل أنشطتهم والضغوطات الحياتية التي يعانون منها. 
2.  التقارب الفكري
بين الوالدين والأبناء في الأفكار والمشاعر والاهتمامات والهوايات، فيحدث التفاهم
والتفاعُل المُتبادل، الأمر الذي يؤسس لقيام أنشطة مشتركة بينهما.
3.  استخدام الوالدين
أساليب ضبط وتأديب دافئة، تتسم بالشفافية في مناقشة أخطاء الأبناء والتسامح معهم
والتماس العذر لهم وحسن توجيههم، وتجنب العدوانية أو العقاب واللوم والتأنيب.
·  
العلاقات غير الآمنة: حين يشعر فيها الأبناء بالرقابة
الصارمة والوصاية عليهم من قبل آبائهم، يكون طابعها العام الإحباط، وتتسم بما يلي:
1.  رغبة الوالدين
في قضاء معظم الوقت مع أبنائهم، وعدم السماح لهم بالاستقلالية والحرية في ممارسة
حياتهم، أو الخروج بمفردهم أو تجريب أمور جديدة أو الوقوع في الخطأ، فهم يعتقدون
أن الأبناء ملكية خاصة  وامتداداً لهم
لتحقيق طموحاتهم التي فشلوا في تحقيقها، دون مراعاة لميول الأبناء وقدراتهم
الشخصية، مما يقيد حريتهم واستقلالهم ويعوق نموهم الشخصي.
2.  تفعيل السلطة
الأبوية للسيطرة على سلوك الأبناء بطريقة تزيد من حدة الصراع والاختلاف والتعارض،
حيث يستخدم الوالدان أساليب ضبط عقابية تقل فيها الرحمة والتعاطف الأبوي.  
3.  تناقض العاطفة
لدى الوالدين بحيث لا يستطيع الابن التنبؤ بأفعال والديه، فأحياناً يتم تلبية
حاجاته بالشكل الصحيح ولا يتم ذلك في أحيان أخرى، مما يعزز ظهور السلوكيات غير
الناضجة لدى الأبناء. 
تحقيق علاقات آمنة بين الآباء والأبناء
يستطيع الآباء تحقيق علاقات آمنة وصحية مع أبنائهم من خلال
تطبيق بعض التوجيهات أهمها: 
1.  استشعار الآباء
لمسؤوليتهم الأخلاقية والاجتماعية والدينية في تربية الأبناء وتعليمهم وإرشادهم
وتوجيههم بما يحقق الفائدة للآباء والأبناء والمجتمع الذي يعيشون فيه، وأن يكون
الوالدان نموذجا جيداً في تصرفاتهم، فعيون الأبناء دائماً مرتبطة بسلوك آبائهم.
2.  بناء علاقة إيجابية وثيقة مع الأبناء قائمة على الحب والاحترام
والتقدير، والتعبير عن مشاعر الحب وإيصاله
للأبناء سواءً كان ذلك بصورة لفظية باستخدام الكلمات أم بصورة غير لفظية عن طريق
الابتسامة والاحتضان والتقبيل. 
3.  التركيز على الايجابيات والمزايا التي يتمتع بها الأبناء،
ونقاط القوة في شخصياتهم لتعزيزها وتنمية الثقة بأنفسهم، وتقبلهم كما هم، وتقدير
محاولاتهم والجهد الذي يقومون به، وإبراز مقدار التحسن في سلوكياتهم أمام الآخرين.
4.    
استخدام الأسلوب الوسطي في التعامل مع الأبناء، فلا إفراط
ولا تفريط، فلا يتم التساهل كثيراً وترك الأبناء دون تأديب، ولا التشديد عليهم بالعقوبات
القاسية والمؤلمة، وتجنب التعاملات السلبية مثل النقد واللوم والمقارنة مع الآخرين
والسخرية والتحكم وعدم الانصات لهم والصراخ في وجوههم.
5.  شغل أوقات فراغ الأبناء بالنافع والمفيد، وتخصيص وقت للمتعة
والمرح والنزهة مع الأهل والأبناء لممارسة بعض الهوايات والألعاب وتفريغ الطاقات
السلبية وكسر الروتين الممل للحياة اليومية، فهذه الأوقات غير الرسمية تقوي
العلاقات وتسهم في تنمية العديد من المهارات اللغوية والإبداعية والاجتماعية، كما
لابد من قضاء وقت فردي لكل ابن على حدة.
6.  الاعتراف
بحاجات الأبناء النمائية ومساعدتهم على إشباعها بالطرائق الصحيحة والمقبولة
اجتماعياً، من خلال إشباع حاجاتهم الأساسية من المأكل والمشرب
والملبس، وتمكينهم من ممارسة هواياتهم المفضلة، ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم في
اختيار التخصص والمهنة التي يحلمون بها، وتحفيزهم وتقدير جهودهم وذلك بإعطاء
الجوائز والمكافئات عندما يحققون أي تقدم. 
7.  تعزيز مبدأ الحوار
وممارسته مع الأبناء لتعريفهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تجاه آبائهم
وأنفسهم ومجتمعهم، ومنحهم فرصة للتعبير عن أنفسهم وتوضيح آرائهم بأسلوب مهذَّب
ومقنع، وتقريب وجهات النظر المختلفة وتصحيح الأخطاء، وتدريبهم على الإفصاح عن مشاعرهم وعدم
كبتها دون حرج.
8.  إعطاء الأبناء فرصة لمساعدة آبائهم، فالأبناء يشعرون بالقوة
عندما يقدمون المساعدة سواء بتقديم الآراء أو أعمال المنزل المختلفة. 
أثر
العلاقات الإيجابية بين الآباء والأبناء
العلاقات الإيجابية بين الوالدين وأبنائهم لها تأثير كبير في
كل جوانب حياة الآباء والأبناء النفسية والتعليمية والاجتماعية، فلها تأثيرات على
التماسك الأسري، والرفاهية النفسية للآباء والأبناء على حد سواء، كما تسهم في نمو
قدرات الأبناء في مواجهة ضغوطات الحياة وحل المشكلات وتكوين علاقات ناجحة، فمن
خلال هذه العلاقات يتعلم الأبناء المهارات التي يحتاجونها لتكوين علاقات مع
الآخرين، وإدارة عواطفهم وسلوكياتهم، كما ترتبط العلاقة الايجابية بين الوالدين
وأبنائهم بشكل إيجابي بالدافع للتعلم، وتعلم مهارات القراءة واكتساب القيم والكفاءة الأكاديمية، ، ويمتد تأثير علاقة الوالدين
بأبنائهم إلى مسار حياة الأبناء المستقبلية، فتظهر لديهم أبوة و أمومة ناضجة في
مرحلة الرشد، ومستويات مرتفعة من الدفء الأبوي والإدارة الفعالة للأبناء، كما أن
دفء العلاقة بين الوالدين والأبناء يفيد في حماية الأبناء من الأمراض النفسية
وزيادة معدل الصحة النفسية، وأن ضعف العلاقات بين أفراد الأسرة يرتبط بتعاطي
المخدرات والانتحار، والاكتئاب وتدني تقدير الذات والأكل غير الصحي، والقلق
وصعوبات التعلم، وانخفاض التحصيل الدراسي، والسلوك الإنسحابي والعدواني ومشاعر
الخجل، وظهور بعض الانحرافات مثل الغش والكذب[2].
كما أن تكوين علاقات آمنة وصحية بين الآباء والأبناء يسهم في
تحقيق فوائد عديدة يجنيها الوالدان والأبناء والمجتمع، ويعود بالفائدة على الوطن
بشكل عام، فتحسين العلاقة مع الأبناء وحسن التعامل معهم ينعكس على سلوكهم مع
الآخرين، الأمر الذي يجعلهم أفرداً فعّالين ومساهمين في تنمية المجتمع وتحسينه،
ويمكنهم من التحكم بعواطفهم في المواقف الصعبة، ويتعزز لديهم النمو العقلي واللغوي
من خلال المشاركات في أنشطة الحياة اليومية مع الوالدين والأقارب، بالإضافة إلى تنمية
المهارات الاجتماعية مثل حل المشكلات، واتخاذ القرارات، من خلال محاكاة الوالدين
والمعلمين أثناء تواصلهم مع الآخرين.  
نخلص إلى أن قوة العلاقة بين الآباء والأبناء تعد ركيزة
أساسية في بناء الأسرة ومنطلقا هاما لتحديث المجتمع وتطويره وتحسينه، فالأبناء
سيصبحون آباءً في المستقبل القريب، وسيمارسون مع أبنائهم نفس وسائل التنشئة التي
تربوا عليها، وبالتالي على الآباء أن يعززوا التواصل مع أبنائهم ويهتموا بتقوية العلاقات
معهم، وأن يكون لها الأولوية في خططهم الشخصية وأنشطتهم اليومية. 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق