الخميس، 27 أكتوبر 2022

ابني يخاف . . ماذا أفعل؟

 

ابني يخاف . . ماذا أفعل؟

بقلم د. أحمد عبادي أحمد الربيعي

استاذ مساعد علم النفس التربوي - جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمن

تعد مرحلة الطفولة مرحلة ضعف في حياة كل إنسان، قال الله تعالى " اللهُ الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوة ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" (سورة الروم: آية54)، ففي مرحلة الطفولة يتعرض الطفل إلى العديد من المواقف التي تثير المخاوف لديه، ويُعرَّف الخوف بأنه انفعال سلبي قوي ينتج عند الإحساس بوجود خطر يمكن حدوثه، كما يوصف بأنه حالة وجدانية يصاحبها انفعال نفسي وبدني تنتاب الطفل عندما يتسبب مؤثر خارجي في إحساسه بالخطر. ويمكن تصنيف المخاوف لدى الأطفال إلى مخاوف ظاهرة؛ تظهر على شكل ارتجاف الأطراف أو شحوب الوجه، أو التبول اللاإرادي، ومخاوف مستترة قد تظهر على شكل غضب من أمر ما، كالذي يغضب من تذكيره بضرب الحقن[1].

الخوف الطبيعي والخوف المرضي

الخوف حالة غريزية أودَعَها الله في مخلوقاته؛ لحمايتها من المخاطر المحتملة، ويعد جزء طبيعي في نمو الطفل إذا كان محفوفاً بالرعاية والاهتمام من قبل الأسرة، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى، وبعض هذه المخاوف إيجابية تساعد على حفظ الذات كالخوف من الألم أومن الحيوانات المفترسة. ولكن عندما تتكرر المخاوف ويصاحبها ظهور أنماط سلوكية سلبية كالبكاء والصراخ والهروب وطلب النجدة لا تتفق مع السلوك المتزن، فإنها تصبح عائق لعملية النمو الطبيعي للطفل، وتعد من المخاوف المرضية التي ينبغي وقاية الأطفال منها ومعالجتها.

أنواع المخاوف المرضية

أهم أنواع المخاوف لدى الأطفال ما يلي:

-    الخوف من الأماكن المغلقة أو المرتفعة أو ركوب الطائرات أو الذهاب إلى المدرسة، أو الأماكن المظلمة وما يرتبط بالمكان من تخيلات الأشباح.

-         الخوف من العناكب والقطط والكلاب والافاعي والخيول والزواحف وغيرها من الحيوانات والحشرات.

-    الخوف من منظر الدم والحقن والحوادث والجراثيم والمرض والرعد والبرق وجثث الموتى والنار المشتعلة وكل دلائل الألم.

-         الخوف من مقابلة الكبار أو الزوار أو الاختبارات أو توجيه الأسئلة الشفوية.

-         الخوف من مشاعر الغضب التي تظهر على الكبار والأصوات العالية والمشاجرات، والنقد الموجه للطفل.

مؤشرات الخوف لدى الأطفال

يمكننا تحديد مؤشرات الخوف عند الأطفال[2] بما يلي:

-    المؤشرات الانفعالية، مثل سرعة التأثر، وقلة الثقة بالنفس، والشعور بالعزلة، والارتباك وعدم القدرة على التركيز، واليأس، والغضب، والحزن، والشعور بالذنب، والشعور بالخجل.

-    المؤشرات الجسمية، مثل اضطرابات النوم، واضطرابات الجهاز الهضمي، واضطرابات الأكل، والتعب والإرهاق، وصعوبة التنفس، والصداع، واضطرابات الجهاز العصبي السمبثاوي عند إفراز هرمون الإدرينالين، حيث يزداد إفراز العرق ويجف الحلق.

-    المؤشرات السلوكية، مثل السلوك العدواني، وتجنب الخروج من البيت، والحاجة الدائمة للحماية، والنوم بجوار الأم، والانكفاء على الذات.

أسباب الخوف لدى الأطفال

1.  الضعف الجسمي: يتطور الخوف لدى الطفل عندما يكون مريض أو لديه إعاقة جسمية، أو خلل عضوي، مما يؤدي إلى شعوره بالعزلة والعجز وضعف المقاومة، وعدم القدرة على التعامل مع الأخطار الواقعية.

2.  الأحداث غير السارة: يخاف الطفل من تكرار الاحداث المؤلمة التي مر بها في حياته، فرؤية حَدَث مخيف ومؤلم في طفولته يبقى عالقًا في ذهنه حتى يكبَر؛ مثل حوادث السَيْر، أو الغرق، أو عضة حيوان أو تهديدات من أطفال آخرين، ويمكن للطفل أن يعمم خوفه من الكلب ليخاف من جميع الحيوانات، وخوفه من طفل اعتدى عليه فيخاف من جميع الأطفال، وقد يصبح الاستحمام مخيفاً بسبب الانزلاق في الماء أو دخول الصابون إلى عينيه[3].

3.  التدليل الزائد: اتباع أسلوب التدليل من قِبَل الوالدين، وعدم السماح للطفل بالتعامل مع مشكلات الحياة، وخوض التجارِب بنفسه، تولد الخوف لديه في المواقف المختلفة[4].

4.  تقليد الخوافين: فالطفل يقلد لا شعورياً من حوله؛ فيخاف مما يخاف منه الكبار وخاصة الذين يثق بهم، وذلك عن طريق تقمص سلوكيات أفراد أسرته ومن يخالطهم في البيئة، وقد أثبتت الدراسات أن لدى الطفل الخواف واحداً على الأقل من أفراد أسرته لديه مخاوف شديدة. 

5.  القسوة والضبط الزائد: اتباع أساليب قاسية في تربية الطفل بالنقد والتوبيخ ومعقابة الطفل بالضرب، والشتم والاستهزاء، والحبس وحيدًا في مكان مظلم، تشعره أنه غير قادر على فعل شيء صحيح، ويُفقده الثقة بالنفس، ويُعزِّز ظهور الخوف لديه[5]، وهذه الأساليب التي تتسم بالضبط الزائد كإجباره على عمل معين أو منعه من اللعب والحركة تسهم في تنشئة أطفال يخافون من مصادر السلطة كالمعلمين ورجال الشرطة ومدير المدرسة وغيرهم ممن يمثلون السلطة في المجتمع.

6.  الخلافات داخل الأُسرة: الجو المتوتر في البيت وبروز النزاعات المستمرة بين الوالدين أو الأخوة أو بين الآباء والأبناء يؤدي إلى شعور الطفل بعدم الأمن مما يجعله غير قادر على التعامل مع المخاوف التي يتعامل معها الأطفال العاديين، فيشعر أنه مثقل بعبء المشكلات العائلية التي لا يستطيع فهمها ولا يأمل في حلها، مما ينعكس على ظهور المخاوف لديه.

7.  ولادة طفل في العائلة: يعتقد أن الطفل القادم سيسلبُه الاهتمام من والدَيْه، فيظهر عليه الخوف الشديد، والرغبة الزائدة في الارتباط بالوالدين، وقد تنعكس بأشكال سلوكية أخرى؛ مثل التبول اللاإرادي وغيره.

8.  التأثير على الآخرين واستغلالهم: قد يكون إظهار الخوف لدى الطفل طريقة قوية لجذب الانتباه، وخاصة عندما يجد والديه يندفعان لإرضائه، ثم يتحول الخوف لدى الطفل إلى عادة وسلوك مرضي.

تقنيات علاج الخوف لدى الأطفال

علاج الخوف لدى طفلك يحتاج إلى تقنيات تتناسب مع درجة هذا الخوف وطبيعته ونوعه وهذه التقنيات تتضمن الآتي:

1.  تقبل طفلك وتعرَّف على أسباب مخاوفه؛ وذلك بأن تظهر تعاطفك معه، وتفهم خوفه بشكل منطقي، وطمئنته ودعمه، واشعاره بالحب والحنان باستمرار. فقد يعرف الطفل مصدر خوفه لكنه لا يستطيع التعبير عن أسبابه، لذا يمكن أن يساعد طرح الأسئلة عليه في تشجيعه على التحدث عنها، حتى تستطيع معالجة أسباب الخوف وليس أعراضه.

2.  التعرض التدرّيجي للمواقف المخيفة حيث يقترح العديد من المعالجين النفسيين تعريض الطفل الخائف لمصدر خوفه بجرعات صغيرة غير مهددة، وللمواقف التي يخاف منها تدريجياً، ومن المهم الكشف عن سجلّ الطفل القديم، ومعرفة ما كان يخافه قبل البدء بالعلاج.

3.  ملاحظة النماذج الإيجابية؛ فالطفل يتعلم من خلال الملاحظة كيف يتعامل الأفـراد غيـر الخائفين مع المواقف، وبالتالي تتولد لديه القناعة مـن خـلال الملاحظـة أن خـوفه لا مبرر لـه، وفي هذا الصدد لابد أن يكون الوالدين مثالا للهدوء والاستقرار في تصرفاتهما أمام طفلهمـا الخائف، فيمارسا حياتهما بصورة طبيعية، بحيث يكون الجو الأسري المحيط بالطفل باعثا على الطمأنينة والأمان[6].

4.  الابتعاد عن معاقبةِ الطفل على خوفه مثل استخدام أساليب التوبيخ والضرب والاستهزاء، أو وصفه بأوصاف سيئة؛ كالنذالة والجبن والضعف، فهذه الأساليب غير تربوية وتزيد من مخاوفه؛ بل قد تؤدي به إلى كتم مشاعره، لذلك على الوالدين والمربين تجنُّب هذه الطريقة السيئة واستبدالها بالدعم النفسي للطفل، وتنمية قدراته على مواجهة الخوف.

5.  تقليل حساسية الطفل من الأشياء التي تخيفه، وذلك بإقران الفكرة المثيرة للخوف بأي نشاط ممتع، مثل شغل الطفـل باللعب أثناء الخوف، فإذا كان الطفل يخاف من القطط فلا ينبغي إجباره على الاقتراب منها وإنمـا تركه يراقبها عن بعد، ثم تقريبها منه بالتدريج ليقوم بإطعامها بنفسه، فالتقدم التدريجي يؤدي إلى تزايد الشجاعة شيئا فشيئا[7]. ولتقليل الحساسية من الوحوش مثلاً؛ يقدم للطفل صـور الوحوش والحيوانات المخيفة في كتاب ثـم يشجع على رسـمها أو تـصويرها أو كتابة قصصاً عنها. ولتقليل الحساسية من الأصوات المرتفعة المفاجئة يقوم الطفل بوخز عدد كبير من البالونات، فالمواجهـة المتكـررة لمصادر الخوف تؤدي إلى تقليل الحساسية منها.

6.  تحسين البيئة التي يعيش فيها الطفل، فالتنشئة الأسرية لها دور كبيرة في تنشئة طفل يثق بنفسه، ويعرف كيف يتعامل مع المواقف الصعبة بشجاعة، ومن ذلك إبعاد الطفل عن مشاهدة الأفلام العنيفة، أو الألعاب والحكايات المرعبة؛ وتصميم ألعاب تحاكي الوحوش التي يخاف منها لأن الأطفال أكثر استجابة عند اللعب.

7.  تدريب الطفل على التخيل الإيجابي، فالتـدريب المقـصود لتخيـل مـشاهد سـارة يـسهم في تقليل مخاوف الأطفال، حيث يطلب من الطفل الاسترخاء ثم يتخيل النشاط المحبب له مثـل قيادة سيارة سباق، وأثناء تخيل المشهد والاستمتاع به يتخيل حـدوث موقـف ينطـوي على خوف بسيط، كأن يرى كلب ضخم على الطريق يقـوم بمطاردة السيارة بينما يبتعد الطفل بسرعة بسيارته ثم يبطئ الـسرعة حتـى يـصل الكلـب إلى جوار السيارة ثم يقوم الطفل بالتربيت عليه ثـم يتـابع طريقـه. فطريقة التخيل تساعد الطفـل عـلى إدراك نفـسه كـشخص يملـك القدرة على تحمل الخوف[8].

8.  مكافـأة الطفل على الـشجاعة، حيث يتم تحديـد سـبب المخـاوف وزمانهـا ومكانهـا تحديـداً دقيقـاً، وامتداح الطفل ومكافأته كلما تقدم خطوة في تحمل المواقف المخيفة، فكثير من الأطفال يظهرون الشجاعة كي يحصلوا على المكافآت، فيمكن أن نضع للطفل خمـس نقـاط إذا قال مرحباً لشخص غريب، ويحصل على عشر نقاط إذا أجاب عـلى الهـاتف ويحـصل عـلى عدد من النقـاط إذا تحـدث مـع أشـخاص مختلفين، ومقابل عدد من النقاط يحصل على ألعاب أو امتيازات معينة. [9] وهذا التعزيز يزيد من ثقة الطفل بنفسه وقدراته، وينمي لديه الشجاعة في ممارسة مواقف الحياة المختلفة.

نخلص إلى أن المخاوف التي يعاني منها الأطفال يمكن تجاوزها بسهولة، من خلال التنشئة السليمة والدعم النفسي الذي يقدمه الوالدين والمربين، وتقبل الطفل وتدريبه باستخدام التقنيات العلاجية السابقة على مواجهة مخاوفه بنفسه وتعويده الاعتماد على نفسه تدريجياً حتى يتمكن من مقاومة مخاوفه والتحرر منها بشكل نهائي وممارسة حياته بصورة طبيعية.



[1] المشكلات النفسية، محمد احمد الزعبي، 2008، ص75.

 [3] أسرار الخوف عند الأطفال (الأسباب - العلاج)،  شيرة ملو العين، 2015، ص37.

[4] طفلي يخاف، كيف أساعده على تجاوز مخاوفه؟، زهرة وهيب خدرج، 2016،

[5] مقاومة الخوف والسلوك الفردي عند الأطفال، محمد خير احمد الفوال، 2006، ص8.

[6] المرجع السابق، ص23.

[7] المرجع السابق، ص22.

[8] المرجع السابق، 23.

[9] المرجع السابق، ص24.

تقييم العلاقة بين الآباء والأبناء

 

تقييم العلاقة بين الآباء والأبناء

بقلم د. أحمد عبادي أحمد الربيعي

استاذ مساعد علم النفس التربوي - جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمن

تُعد العلاقة بين الآباء والأبناء من أهم العلاقات الإنسانية وأكثرها تأثيراً على شخصيّة الأبناء، وهي من العلاقات التبادلية، فالآباء يؤثرون في شخصية أبنائهم، والأبناء يؤثرون في شخصية والديهم لا سيما في مرحلة المراهقة التي تزداد فيها الفجوة بين الطرفين؛ نظراً لرغبة الأبناء في الحصول على مزيد من الحرية والاستقلال ورفض رموز السلطة.

وتعرَّف العلاقة بين الآباء والأبناء بأنها مجموعة من التفاعلات المتبادلة بين الوالدين والأبناء تسهم في تشكيل الأنماط الشخصية للأبناء، ويمكن قياسها من خلال تقييم مهارات الأبوة والأمومة ومواقف وسلوكيات الوالدين تجاه أبنائهم، ويكون الهدف غالباً من تقوية العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، هو إكساب الأبناء المعارف والخبرات، وتكوين السمات الشخصية المرغوبة، ومساعدتهم على التمتع بالاستقرار والتوازن النفسي، وتحقيق الشعور بالانتماء للأسرة والوطن الذي يعيشون فيه.

وتتشكل العلاقة بين الآباء والأبناء من خلال وسائل متعددة أهمها الحوار والتشاور والمشاركة والتفاهم والإقناع والاستماع والإنصات والاهتمام بأفعالهم وأقوالهم والتفاعل والتعاون والتوافق والتوجيه والمساعدة والإجابة على تساؤلاتهم[1].

أسباب ضعف العلاقة بين الآباء والأبناء

ضعف العلاقة بين الآباء وأبنائهم تأتي كنتيجة لمقدمات وأسباب تتعلق بالآباء أو الأبناء، أهمها التنشئة الاجتماعية السلبية التي خضع لها الوالدان منذ مرحلة الطفولة والتي تتسم بالعادات الاجتماعية التقليدية والتي تكرس مبدأ السمع والطاعة وانعدام الحوار، وعدم الاستماع لآراء وأفكار ومقترحات الأبناء، وضعف التحدث أو فتح موضوعات للنقاش معهم، بالإضافة إلى ضغوط العمل والمتطلبات الأسرية المرهقة للوالدين، التي تشغلهم عن متابعة أبنائهم أو التواصل معهم، كما أن وجود فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء يجعل الآباء لا يفهمون احتياجات أبنائهم فتتسع الهوة بينهم مع مرور الوقت، فيصعب التقارب بين الطرفين، أيضاً الخلافات والمشاحنات بين الوالدين ومشكلات الانفصال والطلاق تكون سبباً في إحداث توتر داخل الأسرة مما ينعكس على ضعف العلاقة بين الآباء والأبناء وبين الأبناء أنفسهم.

وفيما يتعلق بالأبناء فهناك مغريات كثيرة تمنعهم من التواصل والحوار وتقوية العلاقة مع آبائهم أهمها وسائل التواصل الاجتماعي، وجماعة الرفاق، ومتابعة الفيديوهات والألعاب الالكترونية، وغيرها من الوسائل التي يلجأ إليها الأبناء لشغل أوقاتهم والهروب إلى الواقع الافتراضي بعيداً عن سلطة الوالدين والأقارب.

أصناف العلاقات بين الآباء والأبناء

يمكن تصنيف العلاقة بين الآباء والأبناء إلى صنفين هما:

·   العلاقات الآمنة: هي علاقات إيجابية يشعر الأبناء باهتمام والديهم وحبهما ورعايتهما لهم، وأنهم جاهزون دائماً لدعمهم عند الحاجة، وتتسم بما يلي:

1.  تقبل الأبناء وتوفير الأمان لهم وإشعارهم بالدفء والحنان أثناء التواصل معهم، فتنشأ الثقة المتبادلة، مما يجعل الأبناء يصرحون لآبائهم ومن يثقون فيهم بكل أنشطتهم والضغوطات الحياتية التي يعانون منها.

2.  التقارب الفكري بين الوالدين والأبناء في الأفكار والمشاعر والاهتمامات والهوايات، فيحدث التفاهم والتفاعُل المُتبادل، الأمر الذي يؤسس لقيام أنشطة مشتركة بينهما.

3.  استخدام الوالدين أساليب ضبط وتأديب دافئة، تتسم بالشفافية في مناقشة أخطاء الأبناء والتسامح معهم والتماس العذر لهم وحسن توجيههم، وتجنب العدوانية أو العقاب واللوم والتأنيب.

·   العلاقات غير الآمنة: حين يشعر فيها الأبناء بالرقابة الصارمة والوصاية عليهم من قبل آبائهم، يكون طابعها العام الإحباط، وتتسم بما يلي:

1.  رغبة الوالدين في قضاء معظم الوقت مع أبنائهم، وعدم السماح لهم بالاستقلالية والحرية في ممارسة حياتهم، أو الخروج بمفردهم أو تجريب أمور جديدة أو الوقوع في الخطأ، فهم يعتقدون أن الأبناء ملكية خاصة  وامتداداً لهم لتحقيق طموحاتهم التي فشلوا في تحقيقها، دون مراعاة لميول الأبناء وقدراتهم الشخصية، مما يقيد حريتهم واستقلالهم ويعوق نموهم الشخصي.

2.  تفعيل السلطة الأبوية للسيطرة على سلوك الأبناء بطريقة تزيد من حدة الصراع والاختلاف والتعارض، حيث يستخدم الوالدان أساليب ضبط عقابية تقل فيها الرحمة والتعاطف الأبوي. 

3.  تناقض العاطفة لدى الوالدين بحيث لا يستطيع الابن التنبؤ بأفعال والديه، فأحياناً يتم تلبية حاجاته بالشكل الصحيح ولا يتم ذلك في أحيان أخرى، مما يعزز ظهور السلوكيات غير الناضجة لدى الأبناء.

تحقيق علاقات آمنة بين الآباء والأبناء

يستطيع الآباء تحقيق علاقات آمنة وصحية مع أبنائهم من خلال تطبيق بعض التوجيهات أهمها:

1.  استشعار الآباء لمسؤوليتهم الأخلاقية والاجتماعية والدينية في تربية الأبناء وتعليمهم وإرشادهم وتوجيههم بما يحقق الفائدة للآباء والأبناء والمجتمع الذي يعيشون فيه، وأن يكون الوالدان نموذجا جيداً في تصرفاتهم، فعيون الأبناء دائماً مرتبطة بسلوك آبائهم.

2.  بناء علاقة إيجابية وثيقة مع الأبناء قائمة على الحب والاحترام والتقدير، والتعبير عن مشاعر الحب وإيصاله للأبناء سواءً كان ذلك بصورة لفظية باستخدام الكلمات أم بصورة غير لفظية عن طريق الابتسامة والاحتضان والتقبيل.

3.  التركيز على الايجابيات والمزايا التي يتمتع بها الأبناء، ونقاط القوة في شخصياتهم لتعزيزها وتنمية الثقة بأنفسهم، وتقبلهم كما هم، وتقدير محاولاتهم والجهد الذي يقومون به، وإبراز مقدار التحسن في سلوكياتهم أمام الآخرين.

4.     استخدام الأسلوب الوسطي في التعامل مع الأبناء، فلا إفراط ولا تفريط، فلا يتم التساهل كثيراً وترك الأبناء دون تأديب، ولا التشديد عليهم بالعقوبات القاسية والمؤلمة، وتجنب التعاملات السلبية مثل النقد واللوم والمقارنة مع الآخرين والسخرية والتحكم وعدم الانصات لهم والصراخ في وجوههم.

5.  شغل أوقات فراغ الأبناء بالنافع والمفيد، وتخصيص وقت للمتعة والمرح والنزهة مع الأهل والأبناء لممارسة بعض الهوايات والألعاب وتفريغ الطاقات السلبية وكسر الروتين الممل للحياة اليومية، فهذه الأوقات غير الرسمية تقوي العلاقات وتسهم في تنمية العديد من المهارات اللغوية والإبداعية والاجتماعية، كما لابد من قضاء وقت فردي لكل ابن على حدة.

6.  الاعتراف بحاجات الأبناء النمائية ومساعدتهم على إشباعها بالطرائق الصحيحة والمقبولة اجتماعياً، من خلال إشباع حاجاتهم الأساسية من المأكل والمشرب والملبس، وتمكينهم من ممارسة هواياتهم المفضلة، ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم في اختيار التخصص والمهنة التي يحلمون بها، وتحفيزهم وتقدير جهودهم وذلك بإعطاء الجوائز والمكافئات عندما يحققون أي تقدم.

7.  تعزيز مبدأ الحوار وممارسته مع الأبناء لتعريفهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تجاه آبائهم وأنفسهم ومجتمعهم، ومنحهم فرصة للتعبير عن أنفسهم وتوضيح آرائهم بأسلوب مهذَّب ومقنع، وتقريب وجهات النظر المختلفة وتصحيح الأخطاء، وتدريبهم على الإفصاح عن مشاعرهم وعدم كبتها دون حرج.

8.  إعطاء الأبناء فرصة لمساعدة آبائهم، فالأبناء يشعرون بالقوة عندما يقدمون المساعدة سواء بتقديم الآراء أو أعمال المنزل المختلفة.

أثر العلاقات الإيجابية بين الآباء والأبناء

العلاقات الإيجابية بين الوالدين وأبنائهم لها تأثير كبير في كل جوانب حياة الآباء والأبناء النفسية والتعليمية والاجتماعية، فلها تأثيرات على التماسك الأسري، والرفاهية النفسية للآباء والأبناء على حد سواء، كما تسهم في نمو قدرات الأبناء في مواجهة ضغوطات الحياة وحل المشكلات وتكوين علاقات ناجحة، فمن خلال هذه العلاقات يتعلم الأبناء المهارات التي يحتاجونها لتكوين علاقات مع الآخرين، وإدارة عواطفهم وسلوكياتهم، كما ترتبط العلاقة الايجابية بين الوالدين وأبنائهم بشكل إيجابي بالدافع للتعلم، وتعلم مهارات القراءة واكتساب القيم والكفاءة الأكاديمية، ، ويمتد تأثير علاقة الوالدين بأبنائهم إلى مسار حياة الأبناء المستقبلية، فتظهر لديهم أبوة و أمومة ناضجة في مرحلة الرشد، ومستويات مرتفعة من الدفء الأبوي والإدارة الفعالة للأبناء، كما أن دفء العلاقة بين الوالدين والأبناء يفيد في حماية الأبناء من الأمراض النفسية وزيادة معدل الصحة النفسية، وأن ضعف العلاقات بين أفراد الأسرة يرتبط بتعاطي المخدرات والانتحار، والاكتئاب وتدني تقدير الذات والأكل غير الصحي، والقلق وصعوبات التعلم، وانخفاض التحصيل الدراسي، والسلوك الإنسحابي والعدواني ومشاعر الخجل، وظهور بعض الانحرافات مثل الغش والكذب[2].

كما أن تكوين علاقات آمنة وصحية بين الآباء والأبناء يسهم في تحقيق فوائد عديدة يجنيها الوالدان والأبناء والمجتمع، ويعود بالفائدة على الوطن بشكل عام، فتحسين العلاقة مع الأبناء وحسن التعامل معهم ينعكس على سلوكهم مع الآخرين، الأمر الذي يجعلهم أفرداً فعّالين ومساهمين في تنمية المجتمع وتحسينه، ويمكنهم من التحكم بعواطفهم في المواقف الصعبة، ويتعزز لديهم النمو العقلي واللغوي من خلال المشاركات في أنشطة الحياة اليومية مع الوالدين والأقارب، بالإضافة إلى تنمية المهارات الاجتماعية مثل حل المشكلات، واتخاذ القرارات، من خلال محاكاة الوالدين والمعلمين أثناء تواصلهم مع الآخرين. 

نخلص إلى أن قوة العلاقة بين الآباء والأبناء تعد ركيزة أساسية في بناء الأسرة ومنطلقا هاما لتحديث المجتمع وتطويره وتحسينه، فالأبناء سيصبحون آباءً في المستقبل القريب، وسيمارسون مع أبنائهم نفس وسائل التنشئة التي تربوا عليها، وبالتالي على الآباء أن يعززوا التواصل مع أبنائهم ويهتموا بتقوية العلاقات معهم، وأن يكون لها الأولوية في خططهم الشخصية وأنشطتهم اليومية.



[1] الاتصال الفعال بين الآباء والأبناء وتأثيره على الأسرة، هلا السعيد، جريدة الإرشاد النفسي الالكترونية،21/1/ 2021م.

[2] جودة العلاقة بين الوالدين والأبناء في ضوء بعض المتغيرات الديموغرافية، منال عبدالنعيم محمد طه، 2020، ص90.

رسائل تربوية 1

  العنوان  الرسالة أطفالنا مرآتنا: كيف تنعكس مشاكلنا عليهم؟ أطفالنا بالنسبة لنا كمرآة تعكس حياتنا.....