الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

وسائل عملية لتنمية الذكاء لدى الأطفال في المؤسسات التعليمية

 

ظهرت اختلافات كثيرة بين العلماء حول العوامل المؤثرة في الذكاء الإنساني، هل هي عوامل بيئية أم عوامل وراثية، حتى جاءت نظرية الذكاء لريموند كاتل عام 1963م والتي تصنف ضمن علم النفس السلوكي، حيث ميَّز في هذه النظرية بين قدرات الذكاء ذات الأساس البيولوجي والتي سمَّاها بالذكاء السائل، وقدرات الذكاء ذات الأساس الثقافي أو البيئي والتي سمَّاها بالذكاء المتبلور، وفي هذه المقالة سيتم تناول هذين المفهومين من حيث خصائصهما والاختلافات بينهما وطرق قياسهما وكيفية تنميتهما والإفادة منهما في مؤسساتنا التربوية والتعليمية.

الذكاء السائل

الذكاء السائل هو ذكاء فطري مرن يتمثل بقدرة الشخص على التفكير بشكل منطقي، وتطوير الحلول للمشكلات الجديدة، من خلال الاستقراء والاستنباط وتحليل المشكلات وإدراك العلاقات بين الأشياء واستنتاج حلول لهذه المشكلات دون الاعتماد على الخبرة السابقة أو المعرفة التراكمية، وهو ضروري لحل جميع المشكلات المنطقية في مجالات العلوم والرياضيات، والتقنية.

ومن الملاحظ أن الذَّكاء السائل مرتبط بالإبداع؛ فباستخدامه تحل المشكلات غير المألوفة في المواقف والأنشطة المتنوعة، كما أنه يعتمد على الكفاءة العملية للجهاز العصبي المركزي مما يساعد المتعلم على الفهم والاستيعاب أثناء عملية التعلم. ومن أمثلة استخدام الذكاء السائل حل الألغاز، وبناء الخطط للتعامل مع المشكلات الجديدة، وسرعة التفكير، وسرعة المعالجة البصرية والسمعية للمعلومات، والتخزين أو الاسترجاع من الذاكرة في زمن قصير، وتنسيق الأفكار والتقاط اللغات وسرعة التعلم والحساب والاختراع والتحليل والتخطيط وسرعة البديهة.

يبلغ الذكاء السائل ذروته في أواخر مرحلة المراهقة ثم ينخفض تدريجياً، ومن المحتمل أن يكون انخفاضه مرتبطًا بتدهور الأداء العصبي أو نقص استخدامه في المراحل المتأخرة من العمر. كما يُعزى انخفاض الذكاء السائل إلى ضمور المخيخ الأيمن، والتغيرات المرتبطة بالعمر في الدماغ، ومع ذلك تشير الأبحاث الحديثة إلى أن أجزاء معينة من الذكاء السائل لا تصل إلى ذروتها إلا عند سن الأربعين.

 

الذكاء المتبلور

الذكاء المتبلور هو القدرة على استدعاء واستخدام المهارات والمعرفة المكتسبة في حل المشكلات الجديدة، فهو حصيلة الإنجاز الفكري والمعرفة التراكمية للفرد، من مهارات لفظية وعددية ومفردات، ومعلومات ومعارف عامة يكتسبها الفرد ويخزنها في ذاكرته طوال حياته، فهو يعتمد على التعليم والثقافة والتجارب السابقة، وغالباً ما تنمو هذه المهارات وتعزز في المؤسسات التعليمية. ويتم قياسها باختبارات المعلومات العامة. ومن أمثلة استخدام الذكاء المتبلور؛ تذكر الأحداث التاريخية والمفردات، والمواقع الجغرافية، وقراءة الأبيات الشعرية، والطلاقة في استرجاع المعلومات من الذاكرة طويلة المدى، ويحدد الذكاء المتبلور للفرد بمدى عمق واتساع معرفته العامة ومفرداته وقدرته على التحليل العقلي باستخدام الكلمات والأرقام.

يستمر الذكاء المتبلور في النمو تدريجيًا خلال مراحل الطفولة والمراهقة والرشد ثم يبدأ في الانخفاض، ولم يتم التأكد بعد من العمر الذي يصل فيه الذكاء المتبلور إلى ذروته قبل أن يبدأ بالانخفاض.

الاختلاف بين الذكاءين السائل والمتبلور

هل تفضل حفظ الحقائقِ والمعلومات أم تركيب قطع من المعداتِ باستخدام رسمٍ تخطيطي؟ توضحُ هاتانِ المهمتانِ جوهر الاختلاف بين الذكاءِين السائلِ والمتبلور، فهما نوعان مختلفان من أنواع الذكاء حسب التصنيفات العلمية، وأحيانا توجد بعض المهارات تتطلب كلا الذكاءين. فعلى سبيل المثال، عند إجراء اختبار للرياضيات، قد يعتمد التلميذ على ذكاءه السائل المرن للإجابة عن الأسئلة المحددة في غضون الوقت المخصص. وفي نفس الوقت، قد يضطر إلى استخدام الذكاء المتبلور لاستدعاء المفاهيم والنظريات الرياضية لاستخدامها في الإجابة الصحيحة، وبالمثل، يستخدم رائد الأعمال ذكاءه السائل المرن لتحديد فرصة جديدة في سوق العمل، إلا أن إنشاء منتج معين لتلبية احتياجات سوق العمل يتطلب معرفة سابقة بسوق العمل والمنتجات المنافسة وكمية الاحتياج . . الخ، وبالتالي استخدام الذكاء المتبلور.

على الرغم من هذه العلاقة المتبادلة الواضحة بين الذكاءين، الا أن الذكاء المتبلور ليس نوعًا من الذكاء السائل تبلور بمرور الوقت، وإنما استثمار الذكاء السائل من خلال تعلم المعلومات الجديدة واستيعابها وفهمها وتخزينها ينتج الذكاء المتبلور، والناس الذين يتمتعون بذكاء سائل مرتفع هم أكثر قدرة لأن يكتسبوا المزيد من الذكاء المتبلور.

وقد أصبح الذكاء المتبلور ذا قيمة غير متناسبة مع الذكاء السائل في عصرنا الحاضر الذي يتسم بكثرة المعلومات، لأن الأنظمة التعليمية تركز على تلقين المعلومات والحقائق التي تطور الذكاء المتبلور، وتهمل تدريب الطلاب على المهارات التصورية التي تنمي الذكاء السائل. ويمكن توضيح الفروق بين الذكاءين كما في الجدول الآتي:

الذكاء السائل (GF)

Intelligence Fluid

الذكاء المتبلور (GC)

Intelligence Crystalize

حل المشكلات الجديدة باستخدام الاستنباط والمنطق والحدس

حل المشكلات الجديدة باستخدام الخبرة السابقة والتدريب

عملية فطرية

معرفة مكتسبة

متحرر من أثر الثقافة

مرتبط بالثقافة والبيئة المحيطة

يثبت نموه في نهاية مرحلة المراهقة ثم يتناقص تدريجياً مع التقدم في العمر

يستمر نموه مع التقدم في العمر

يقاس باستخدام الاختبارات الأدائية غير اللفظية

يقاس باستخدام الاختبارات اللفظية

قياس الذكاءين السائل والمتبلور

يتم قياس الذكاء السائل من خلال بعض اختبارات القدرات العقلية، ومن اهم الاختبارات التي تقيس الذكاء السائل اختبار مصفوفات رافن المتتابعة، والذي يقيس القدرة على تمييز العلاقات بين الأشكال المختلفة وملاحظة السمات المترابطة بناءً على تحديد المواقع المكانية. ومقياس الأداء في اختبار وكسلر للذكاء وهو اختبار غير لفظي ويعتمد على المحفزات البصرية ويتكون من خمسة اختبارات هي: تكملة الصور وترتيبها وتجميع الأشياء واختبار المكعبات واختبار الرموز، ونستطيع القول أن جميع الاختبارات غير اللفظية قادرة على قياس الذكاء السائل.

أما الذكاء المتبلور فيتم قياسه بالاختبارات اللفظية لمقياس وكسلر للذكاء والذي يشتمل على ستة اختبارات لفظية هي: الفهم العام وتذكر الأرقام والمفردات وأوجه التشابه والمقارنة والحساب، ويمكن القول أن معظم الاختبارات اللفظية قادرة على قياس الذكاء المتبلور، كما يقاس الذكاء المتبلور باختبار C وهو اختبار نصي تم اقتراحه في البداية كاختبار إتقان للغة الأجنبية، إلا أن البناء الأساسي له يتوافق مع القدرات الكامنة وراء المكون اللغوي للذكاء المتبلور.

تنمية الذكاءين السائل والمتبلور في المؤسسات التربوية والتعليمية

كان يُعتقد على نطاق واسع أن الذكاء السائل ثابت، لأنه يعتمد على العوامل الوراثية، وبالتالي لا يمكن تغييره، ومع ذلك، قدمت بعض الأبحاث مقترحات لتحسينه، ففي تجربة خضع لها 70 مشاركًا لمهام يومية وتدريب منتظم لوحظ ارتفاع ملحوظ في ذكاءهم السائل في نهاية التجربة. وبناءً على هذه التجربة وغيرها من التجارب يمكننا المحافظة على استمرارية نمو الذكاء السائل لدى المتربين في المؤسسات التعليمية والمحاضن التربوية وذلك بتحسين الوظائف الإدراكية للدماغ من خلال تفعيل البرامج التي تعتمد على المهارات الحركية والتآزر بين كل من اليد أو الرجل مع العينين وأيضاً التمارين الرياضية والبدنية اليومية، ومن أفضل الطرق لتحسين الذكاء السائل ممارسة المهام غير الدراسية، مثل تحسين العادات اليومية، والنشاط البدني والاستثارة الحركية وممارسة الفنون والهوايات والتأمل، والحصول على كمية كافية من النوم ليلاً، وهذه البرامج اذا تحولت إلى عادات يومية لدى الفرد فإنها تسهم في تحسين وظيفة الدماغ في المراحل العمرية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك يمكن تطوير المناهج الدراسية والوسائل التعليمية وطرق التدريس بقوالب جديدة تحتوي على الألعاب والمسابقات والأنشطة والتجارب العملية التي تسهم في تطوير الذكاء السائل وتنشيطه والمحافظة على رونقه وبريقه إلى ما بعد مرحلة المراهقة. ومن أهم الوسائل لتنشيط الذكاء السائل تدريب الذاكرة العاملة أو الذاكرة قصيرة المدى على مهام مختلفة. فالذكاء السائل ينمو كلما ازدادت سعة الذاكرة العاملة.

أما الذكاء المتبلور فيتحسن مع التقدم في العمر من خلال التعليم والخبرة والتجربة وممارسة المهام الدراسية، وبذل الجهد، ولكن لو أردنا تحسينه بشكل أفضل فيمكن تطوير قواعد بيانات للمعلومات الكثيرة وتخزينها في الذاكرة طويلة المدى، ثم التدريب على كيفية استرجاعها واستدعائها من الذاكرة. بالإضافة إلى ذلك يمكن تحسين وتجويد محتوى المناهج الدراسية بحيث تكون واضحة ومنظمة ومختصرة حتى يسهل على المتعلمين فهمها والاحتفاظ بها واستدعائها بسهولة وفي الوقت المناسب وتوظيفها في جوانب الحياة المختلفة. ومن المهارات التي تسهم في تنمية الذكاء المتبلور تدريب المتربين على تطوير عاداتهم في الاستماع والتركيز والقراءة الواعية والتلخيص والحفظ والاستذكار، وتحسين المفردات اللغوية.

ويمكن تطوير الذكاءين السائل والمتبلور معاً بتحسين العوامل المؤثرة في الأداء العقلي وأهمها تعزيز الدافعية وتنمية العاطفة والمعتقدات، وتحسين البيئة والمناخ الذي يعيش فيه الفرد، والاستمتاع بالمهام الدراسية والمهام الحياتية المختلفة، وإقناع المتربين أن ذكاءهم قدرة مطواعة ومرنة تتغير بتغير الجهد المبذول في تحسينه وتطويره.

 المراجع ستنزل 

الاثنين، 25 أكتوبر 2021

نظرية الذكاء الناجح وتطبيقاتها التربوية

 

يعد قياس الذكاء ومعرفة الخصائص والقدرات العقلية للإنسان من القضايا الهامة التي تسعى لها المجتمعات المتطورة، ولا يمكن أن نتحدث عن أي نهضة حقيقية في أي مجتمع وبقائها مستمرة دون استثمار الطاقات البشرية لأفراده وتوظيفها وفق القاعدة النبوية " كلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلق له".

من هذا المنطلق ينبغي على المربين والمعلمين الكشف عن المواهب والقدرات والمهارات التي يمتلكها طلابهم، وعمل برامج إرشادية نمائية للارتقاء بشخصياتهم، وتنمية ذكاءاتهم وقدراتهم العقلية، واستثمار هذه القدرات في خدمة المجتمع وتحديثه.

بالإضافة إلى أن اختبارات الذكاء تستخدم من قبل المربين والمعلمين كوسائل تشخيص لجوانب الضعف لدى طلابهم، ومن ثم عمل برامج وقائية وعلاجية لها، كما أنها تسهم في التنبؤ بقدرة الفرد على النجاح في التخصص وفي مهنة المستقبل، مع العلم أن درجات الذكاء تشكل عاملاً واحداً فقط من العوامل العديدة والمتنوعة التي تؤثر في كيان الفرد، إلى جانب عوامل أخرى، كالميول، والاتجاهات، والدوافع، والقيم، والاهتمامات، ومفهوم الذات، فلكل واحد من هذه العوامل تأثيره المباشر على القدرة العقلية.

وقد ظهرت اختبارات متعددة لقياس الذكاء العام لدى الإنسان منذ بداية القرن العشرين، إلا أن تلك الاختبارات كلها كانت قائمة على قياس القدرة العقلية العامة كمؤشر للذكاء، وفي أواخر القرن العشرين ظهرت توجهات حديثة لقياس الذكاء لدى الأفراد، حيث أظهرت أبعاداً متعددة في مكونات الذكاء، وبينت التمايز بين الذكاء، والموهبة، والتفوق، ومن أهم هذه النظريات الحديثة نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرج، وسنتطرق في هذا المقال إلى عرض أهم الأفكار التي نادت بها نظرية الذكاء الناجح، وأهم تطبيقاتها في المجال التربوي والتعليمي، وكيف يستفيد المربون من هذه النظرية في مؤسساتهم التعليمية ومحاضنهم التربوية.

مفهوم الذكاء الناجح

قدم ستيرنبرج عام 1985م رؤية ثلاثية جديدة للذكاء الإنساني، تفسر الموهبة والتفوق بشكل أشمل مما قدمته النظريات التقليدية. فقد عرَّف الذكاء الناجح أنه مجموعة من القدرات اللازمة لتحقيق النجاح في الحياة، ومن أهم الأفكار الجديدة التي نادت بها أن الذكاء لدى الإنسان يتكون من ثلاث قدرات هي القدرة التحليلية، والقدرة الإبداعية، والقدرة العملية. ويرى مؤسس النظرية أنه لا يمكن تحديد الموهبة، أو الذكاء بدرجة يحصل عليها الفرد على اختبار ما. وأكد على ضرورة التفاعل بين القدرات الثلاث لتكوين الأداء الموهوب. ولا يمكن لأيِّ من هذه المكونات الثلاث أن يظهر الموهبة بمفرده. وقد لاقت هذه النظرية قبولاً واسعاً على مستوى العالم لوضوح فكرتها، وما تحمله من مضامين تربوية من الناحيتين النظرية والتطبيقية.

مكونات الذكاء الناجح

1.    الموهبة التحليلية 

تشير الموهبة التحليلية إلى القدرة على تجزئة المشكلة، وتفكيكها، وفهم أجزاءها، والقدرة على استنتاج العلاقات وإدراك التشابه والاختلافات بين الأشياء، والقدرة على استنباط المفاهيم والأفكار من الموضوع. وهذه القدرة يمكن قياسها باستخدام اختبارات الذكاء التقليدية. فالأفراد الذين يمتلكون هذه القدرة يحصلون على درجات عالية في هذه الاختبارات. ويستطيع المربون الاستفادة من الاختبارات التقليدية لقياس هذه القدرة مثل اختبار ستانفورد_ بينيه لقياس مستوى الذكاء لدى الأطفال، أو اختبار وكسلر_ بلفيو لقياس ذكاء الراشدين، أو اختبار المصفوفات المتتابع لرافن.

2.    الموهبة الإبداعية

تبدو هذه القدرة في الأفراد الذين لديهم مهارة الاستبصار، أو الحدس، أو المكافحة بنجاح في المواقف الجديدة و غير المألوفة، وهؤلاء ليس بالضرورة أن يكونوا متميزين في اختبارات الذكاء التقليدية، إلا أنهم يرون الأشياء بطريقة مختلفة، ويقدمون إنجازات رائعة في مجالات العلوم، والآداب، والدراما وغيرها. والقدرة الإبداعية تتكون من قدرات جزئية هي الطلاقة، والمرونة، والأصالة في التفكير، والانفتاح، والفضول، والخيال العقلي، والحساسية للمشكلات وإدراك التفاصيل، والاحتفاظ بالاتجاه نحو تحقيق الهدف.

فالطلاقة تعني القدرة على استدعاء أكبر عدد ممكن من الحلول لمشكلة معينة في فترة زمنية محددة، ويقصد بالمرونة قدرة الفرد علـى التفكيـر فـي اتجاهات مختلفة، وإنتاج أنواع متعددة مـن الأفكار، وكذلك إمكانية تحويل تفكيره من مـدخل إلى آخـر. أما الأصالة فتعد من أكثر القدرات ارتباطاً بالإبداع، ويقصد بها القدرة على إنتاج أفكار غير مألوفة. أما إدراك التفاصيل أو الإفاضة فتعني تجميـل الفكـرة، أو العملية العقليـة وزخرفتهـا، والمبالغـة فـي تفـصيلها بحيث تكون أكثر فائدة وجمالاً ودقة. ويقصد بالحساسية للمشكلات الوعي بوجود مشكلاتٍ، أو حاجاتٍ، أو عناصر ضعفٍ في البيئة أو الموقف. أمَّا الاحتفاظ بالاتجاه والمواصلة فهو التركيز لفترات طويلة مصحوبة بالانتباه إلى هدف معين، وتخطي أي معوقات أو مشتتات وعدم الالتفات إليها.

3.    الموهبة العملية

المقصود بهذه الموهبة هو تطبيق القدرات التحليلية والإبداعية التي لدى الفرد في المواقف اليومية والعملية. فالموهوب عملياً هو الذي يحدد ما يفعله للنجاح في عمله ثم يشرع في تنفيذه. فهناك العديد من الأشخاص يمتلكون قدرات تحليلية وإبداعية عالية، ولكنهم لا يستطيعون تطبيق هذه القدرات في التفاوض مع الآخرين، أو التسابق في مواقعهم الوظيفية، أو الفوز في المنافسات مع الآخرين. كما أن الفرد الذي لديه قدرة إبداعية عالية ولا يستطيع أن يقنع الآخرين بجدارة أفكاره سوف يواجه إحباطاً في كل مرة، لذلك فإن الجزء المهم في موهبة الفرد هو قدرته على التنسيق والتوازن الناجح بين الجوانب الثلاثة للموهبة.

لقد طور ستيرنبرج مقياساً للقدرات الثلاث يسمى( STAT (، بحيث يعطي درجة منفصلة لكل قدرة. وهناك عدد قليل يحصلون على درجات مرتفعة في القدرات الثلاث مجتمعة. وفي عام 2000م أضاف إلى النظرية مفهوم الحكمة، ويقصد بها العناية بالآخرين، ورفاهيتهم، وتقديم النصيحة الجيدة للآخرين وللنفس.

ومما لا شك فيه أن جميع القدرات والمواهب ضرورية في المجتمع، فنحن بحاجة إلى ذوي القدرات التحليلية، مثل حاجتنا لذوي القدرات العملية أو الإبداعية. ولا نستطيع أن نفضل قدرة على أخرى إلا عند انتقاء الأفراد للقيام بالأعمال والمهام، وفي هذه الحالة نختار القدرة أو الموهبة أو المهارة التي تتوافق مع طبيعة العمل أو المهمة الموكلة للفرد. ويرى ستيرنبرغ أن بعض خصائص الشخصية تساعد علـى ظهور الإبداع أكثر من غيرها، ومن بين تلك الخصائص: القدرة على تحمل الغموض، والرغبة الجازمة في تخطي المعوقات، والدافعية الداخليـة الذاتيـة، والإرادة القوية للعمل الجاد. وأن الأفراد يبدعون بفضل التكامل والدمج بـين ثلاثة مظاهر هي: القدرة العقلية، أو الذكاء، ونمط التفكير، وخصائص الشخصية. كما أن الإبداع يحدث بصور مختلفة وأشكال متعددة، وليس بالضرورة أن يكون لدى المبتكر القدر نفسه من المظاهر الثلاثــة، لأنهــا تتفاعــل فيمــا بينــها، وبطــرق مختلفــة في إظهــار الأداء الإبداعي.

تطبيقات عملية لتنمية الذكاء الناجح في المحاضن التربوية

من التطبيقات العملية لتنمية قدرات الذكاء الناجح في المحاضن التربوية والتعليمية ما يلي:

1.    تنويع أساليب التدريس، فالطلبة يتعلمون ويفكرون بطرائق وأساليب مختلفة. فالبعض يتعلم بطريقة المحاضرة، والبعض الآخر بطريقة المناقشة، وآخرون بوسائل التكنولوجيا، وهناك من يفضل كثرة التفاصيل، وهناك من يفضل التركيز على النقاط الرئيسية. وهذا يتطلب تزويد الطلبة بمجموعة كبيرة من الأمثلة المتنوعة، ففي الموضوعات التاريخية مثلاً يمكن مناقشة إسهامات القادة، والأدباء، والفنانين، والأطباء، والعلماء، الذين قدموا إنجازات عظيمة في الحضارة الإنسانية.

2.    التنويع في أساليب التقويم واختيار طريقة التقييم المناسبة لكل متعلم، وذلك باستخدام أساليب متنوعة تشمل التحليل، والمقارنة، والتطبيق، وعمل المشروعات، والأسئلة المقالية، والاختيار من متعدد وغيرها.

3.    تمكين المتعلم من تحديد جوانب القوة لديه، والقدرات التي يملكها، وتصحيح جوانب الضعف، والتركيز على الإنجازات التي حققها، وهذا يرفع الدافعية، والكفاءة الذاتية لديه، ويحفزه للاستمرار لمواصلة حياته المهنية في المستقبل.

4.    الاستفادة من اختبارات الذكاء الناجح لتصنيف الطلاب حسب قدراتهم العقلية إلى ذوي القدرات التحليلية، وذوي القدرات الإبداعية، وذوي القدرات العملية، واكتشاف الموهوبين، والمتفوقين، والعاديين، وذوي المستويات الضعيفة في الذكاء، ثم عمل برامج لتنمية هذه القدرات.

5.    توفير أجواء الحرية والمناخ المناسب للطلاب في المحاضن التربوية للتعبير عن أنفسهم وطرح أفكارهم، وإتاحة الفرص لهم لاكتشاف اهتماماتهم الخاصة، وسمات شخصياتهم وقدراتهم وطموحاتهم، وتشجيعهم على المخاطرة والوقوع في الأخطاء للتعلم من مواقف الفشل والنجاح، فالبيئة التي لا تسمح بالوقوع في الخطأ لا تتيح المجال للتعلم.

6.    استخدام الوسائل التعليمية التي تحتوي على الأشكال، والرسومات، والبيانات، والصور، والألوان، التي تثير لدى المتعلم الربط بين المعلومات واستنتاج العلاقات والمقارنة بين الأشياء أو المكونات.

7.    تصميم الأسئلة الصفية والواجبات المنزلية في شكل مشكلات تحتاج إلى حلول، وتدريب الطلاب على استراتيجية حل المشكلات وذلك لتنمية القدرات التحليلية لديهم.

8.    مساعدة الطلاب على إقامة مشروعات ونشاطات عملية تتسم بالإبداع والجدَّة والأصالة، وتكون ملامسة لموضوعات اجتماعية وأخلاقية مثل، إعداد الأبحاث، وكتابة المقالات، وتطوير الفيديوهات، والرسم، والنحت والتصميم، والبرمجة.

9.    إنشاء أندية خاصة بالموهوبين، وإقامة معسكرات صيفية لهم، والكشف المبكر عنهم، وتحديد قدراتهم، وإدراج مهارات التفكير ضمن مناهجهم الدراسية، والاهتمام بإنجازاتهم التي حققوها.

10.           تجهيز أماكن صحية للتعلم من حيث التهوية والإضاءة، والبعد عن الضجيج، وتدعيمها بالمكتبات والمختبرات، وأجهزة الحاسوب الحديثة والإنترنت.

من خلال عرض مفهوم الذكاء الناجح وأفكاره الأساسية وتطبيقاته العملية نجد أنه جاء بتصور جديد لمفهوم الذكاء والقدرات العقلية يختلف عن التصورات التقليدية، هذا التصور قائم على أنَّ الإنسان لديه تنوعا وتعددا في القدرات والمواهب، وهذا يتوافق مع الفطرة الإنسانية والتكاليف الشرعية، قال الله عز وجل:{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ... }[البقرة:286]. فالوسع هنا هو أقصى حدود القدرة.  وقال سبحانه وتعالى:{ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق:7]. فالتكليف للإنسان على قدر ما أعطاه الله سبحانه ومنحه من قدرات وإمكانات ومواهب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنف أصحابه وفق قدراتهم وميولهم، فأطلق على خالد بن الوليد سيف الله المسلول، وأبي عبيدة بن الجراح أمين الأمة، وعبدالله بن عباس حبر الأمة، وكان يكلفهم بالأعمال والمهام وفقاً لقدراتهم ومهاراتهم.

 

 

رسائل تربوية 1

  العنوان  الرسالة أطفالنا مرآتنا: كيف تنعكس مشاكلنا عليهم؟ أطفالنا بالنسبة لنا كمرآة تعكس حياتنا.....