الأحد، 9 أبريل 2023

كيف تنمي مهارات التفكير العليا لدى طفلك؟

 

كيف تنمي مهارات التفكير العليا لدى طفلك؟

يعد التفكير أحد النشاطات العقلية التي يتميز بها الانسان عن سائر المخلوقات حيث يكمن سر تفوقه في قدرته على التفكير، وفي عصر الانفجار المعرفي والذكاء الصناعي، لم يعد حفظ المعلومات واسترجاعها وزيادة التحصيل العلمي هو معيار نجاح الفرد، بل أصبح نجاح الفرد مرتبط بمدى قدرته على التفكير الإبداعي وحل المشكلات واتخاذ القرارات الصائبة في المواقف المختلفة، وفي الواقع نجد أن المؤسسات التربوية تهتم بمهارات التفكير الدنيا وهي فهم المعلومات وحفظها واسترجاعها، وتغض الطرف عن مهارات التفكير العليا المتمثلة بتوظيف هذه المعلومات في حل مشكلات المجتمع وتطويره وتحديثه، وفي ضوء ذلك أصبحت تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطفل مطلباً ملحَّاً في العملية التربوية والتعليمية في العصر الحديث، وذلك لردم الهوة بين الواقع والطموح.

وسنتطرق في هذا المقال إلى مناقشة أساليب تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطفل، والتي تتضمن مهارتي التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، كما تتضمن الجانب الانتاجي للتفكير والذي يشمل مهارات تحليل المعلومات وتقييمها والوصول إلى الاستنتاجات، وحل المشكلات واتخاذ القرارات، وقد عُرِّفت مهارات التفكير العليا بأنها مجموعة من المهارات التي تساعد على تحليل وتقييم المعلومات بشكل منطقي وناقد، وتطوير القدرة على الابتكار والابداع واتخاذ القرارات الصائبة بناءً على معرفة دقيقة.

تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطفل

يستطيع الوالدان والمربون تطوير أساليبهم التربوية والتعليمية بما يسهم في تنمية مهارات التفكير العليا لدى أطفالهم، وذلك من خلال تشجيع الأطفال وتحفيزهم على استكشاف أشياء جديدة وتجربة أنشطة مختلفة، مثل حل الألغاز الهادفة، والقراءة الموجهة، والرسم، وإبعادهم عن الأعمال والأنشطة الروتينية المملة، بالإضافة إلى التحدث مع الأطفال ومحاورتهم بأسلوب منطقي، وإقناعهم بأهمية الانفتاح مع مجتمعاتهم، وتشجيعهم على طرح الأسئلة حول كافة الموضوعات العلمية والاجتماعية، والتعاون فيما بينهم لحل المشكلات التي تعترضهم، وتدريبهم على تحليل المعلومات والأدلة بشكل منطقي، وتحديد ما إذا كانت صائبة أم خاطئة، وسيتم مناقشة طرق وأساليب تنمية مهارات التفكير العليا كما يلي:

أولاً: تنمية مهارة التفكير الناقد لدى الطفل

يعرَّف التفكير الناقد بأنه تفكير تأملي يعتمد على التحليل والفرز والاختيار والاختبار لما لدى الفرد من معلومات بهدف التمييز بين الأفكار السليمة والخاطئة، ويقصد بمهارات التفكير الناقد القدرة على التفكير بوضوح ومنطق، وعدم التسليم بأي فرضية دون تحليل ونقاش، وفتح باب الشك أمام الطفل وتحريك فضوله باستمرار للبحث عن الأسباب والدوافع.

فالتفكير الناقد يتيح للطفل فهماً أوسع لاتخاذ قراراته باستقلالية، وإصدار الأحكام بعيداً عن التحيز، وفحص المعتقدات وتحليل الأفكار وتقييمها ذهنياً، وتتكون مهارة التفكير الناقد من مهارات الاستنتاج: والتي تتيح الوصول إلى نتيجة محددة وفق معايير معينة بعد سلسلة من العمليات، ودحض النتائج الخاطئة، ومهارة التفسير: وتعني تحديد الأسباب التي أدت إلى نتيجة معينة وتعليلها، ومهارة الاستدلال: وهي ربط الحقائق المكونة لمسألة ما مع بعضها، واعتبارها دلائل على صحة الفرضية المقدمة، ومهارة التقويم: وتعني التأكد من صحة التفكير ونجاحه في حل المشكلة، ويمكن للوالدين والمربين تطوير مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال باستخدام بعض الوسائل والأساليب العملية كما يلي[1]:

1. حل الألغاز كونه نشاط شيق وممتع للأطفال، ويدفعهم إلى تحليل المعلومات التي تقدم لهم عن اللغز، ومحاولة مناقشتها والربط بينها ربطاً منطقياً يوصلهم إلى نتيجة نهائية تكون حلاً للغز.

2. قراءة الكتب والقصص والروايات وتلخيصها ومناقشتها والإجابة عن أسئلة تتعلق بقراءاته، فالمناقشة توسع مداركه وتجعل تفكيره مركزاً ومستوعباً لما يقرأ.

3. تنمية مهارة الاستماع الجيد لأنه يحتاج إلى تركيز جيد ودقة ملاحظة، لاسيما إذا كان يتبع الاستماع مناقشة وبناء رأي ووجهة نظر شخصية حول الموضوع المسموع.

4. مناقشة الطفل واستشارته في أمور تخصه أو تخص الأسرة، لسماع رأيه وتمييز الخطأ من الصواب، وتنبيهه إلى عدم تصديق كل ما يسمع، والشك في صحة كل ما يسمع أو يقرأ أو يشاهد حتى يجد التعليل المناسب، وهذه المناقشة تنمي ثقة الطفل بنفسه وتشجعه على التفكير.

5. طرح أسئلة ذات إجابات مفتوحة على الطفل وعدم الاكتفاء بإجابة مختصرة من قبل الطفل، بل الاستمرار في سؤاله عن سبب إجابته، ولماذا لم يجب بطريقة أخرى، وذلك لتوسيع جوانب التفكير لديه، وتدريبه على التفكير في تفكيره.

6. إعطاء الطفل المساحة الكافية والحرية والوقت لحل مشكلاته بنفسه حتى تنمو لديه الشخصية الاستقلالية، ويتعود الاعتماد على نفسه وعدم الاتكال على الآخرين.

7. نشاطات اللعب والرسم الحر وذلك باستخدام ألعابه بطرق مختلفة عما صممت له، فهذا يشجعه على التفكير خارج الصندوق، وإعطاءه الحرية بالرسم والتلوين.

ثانياً: تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى الطفل

يعد التفكير الابداعي أسلوب من أساليب التفكير الموجه والهادف، يسعى الفرد من خلاله لاكتشاف علاقات جديدة أو يصل إلى حلول جديدة لمشكلاته، كما يعرف بأنه نشاط عقلي مركب وهادف، توجهه رغبة قوية في البحث عن حلول أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة مسبقاً، ويعتمد على قدرات الطلاقة، المرونة، وسمات الشخصية، والبيئة الميسرة للإبداع؛ لتظهر في النهاية الحلول الابداعية للمشكلة، والتي تتميز بالأصالة والفائدة والقبول الاجتماعي، والدهشة لدى الآخرين[2].

ولكي يقوم الوالدان والمربون بأدوارهم في تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى أطفالهم، يمكن استخدام مجموعة من الأنشطة والألعاب أهمها[3]:

1. نشاط الاستخدامات الممكنة: إعطاء الأطفال بعض الأشياء والطلب منهم ذكر جميع الاستخدامات الممكنة لهذا الشيء، مثل الاستخدامات الممكنة لعلبة الماء، أو القلم، أو علبة البيبسي، ويمكن أن يتم هذا النشاط بشكل فردي أو جماعي.

2. نشاط الافتراض والتوقع: وذلك بإثارة تساؤلات أمام الأطفال لأحداث غير موجودة في الواقع، والطلب منهم التنبؤ بما سيحدث عند وقوعها، مثل: ماذا لو أصبحت السماء حمراء، ماذا لو تكلم الكتاب، ماذا لو فهمنا لغة القطط، ماذا لو تدلت خيوط من السحاب إلى الأرض.

3. نشاط التشبيه: وذلك بإكمال جمل ناقصة مثل: ركوب الدراجة يشبه . . . . ، التقدم للاختبار يشبه . . . . ، الصداقة تشبه . . . . .

4. التدريب على الحساب الذهني: وذلك بتدريب الأطفال على إجراء العمليات الحسابية ذهنياً، دون استخدام الآلة الحاسبة.

5. إنتاج الكلمات المترادفة وأضدادها: وذلك بإعطاء الطفل كلمة معينة والطلب منه ثلاث أو أربع كلمات مرادفة لها، وكلمة عكسها.

6. لعبة تركيب الأشياء: وذلك بتركيب أشياء مختلفة الشكل والحجم لتشكيل لوحة أو صورة ذات معنى، مثل تركيب بيت أو قارب أو سيارة من قطع أو أدوات قديمة.

7. نشاط تكملة الشبكة اللفظية: وذلك بعمل جدول مكون من خمس خانات، تبدأ الخانة الأولى بحرف وإنتاج كلمات لبقية الخانات تبدأ بنفس الحرف، بحيث تكون الخانة الثانية اسم شخص، والثالثة اسم حيوان، والرابعة اسم فاكهة، والخامسة اسم بلد.

8. نشاط العصف الذهني لتحسين الأفكار: يتم طرح موضوع معين ثم يطلب من الأطفال التفكير فيه لمدة معينة، ثم يطلب منهم اقتراح العديد من الأفكار لتحسينه، مع مراعاة السماح بطرح أي فكرة مهما كانت وعدم نقدها، مثل: حضرت حفلة صديقك ولكنها لم تعجبك وشعرت بالملل، اقترح أكبر عدد من الأفكار لتجعلها حفلة ممتعة وجميلة، واستيقظت من النوم ووجدت بجوارك مليون دولار، اقترح أكبر عدد من الأفكار للاستفادة من هذا المال.

9. نشاط تركيب أشياء خاطئة: وذلك بالطلب من الطفل أن يعطي أمثلة لأشياء وأماكن خاطئة، مثل غواصة في الجو، والمشي على الماء، وطائرة في البحر، وضع الأحذية في الثلاجة، وسفينة في الصحراء، خروف له خرطوم فيل، بيت له عجلات سيارة، طائر له أرجل إنسان، وذلك لتنمية التفكير خارج الصندوق وغير المألوف.

10. نشاط تقييم الأفكار: تدريب الأطفال على النظرة الشمولية للأفكار قبل الحكم عليها، وذلك بحكاية قصة واقعية يلامسونها في حياتهم، والطلب منهم في نهاية القصة الحكم على الأفكار التي طرحت في سياق القصة هل هي جيدة أم لا.

11. نشاط التصنيف: وذلك بسرد مجموعة من الكلمات المتنوعة على الأطفال أو كتابتها، والطلب منهم تصنيفها حسب مجالاتها؟

12. اختراع حلول للمشكلات: طرح بعض المشكلات التي يعاني منها الأطفال وطلب اقتراح حلول عملية لها، مثل: ماذا يمكن أن تفعله لحماية البيت من السرقة؟، كيف يمكننا توفير استهلاك الكهرباء في البيت؟

ولكي تنجح الأنشطة السابقة في تنمية مهارة التفكير الإبداعي لدى الأطفال، لابد أولاً من توعية الآباء والمعلمون والاطفال بأهمية التفكير الابداعي، وتجنب مضاداته، واستخدام الأساليب التربوية الحديثة في التعليم والتدريب مثل العصف الذهني وحل المشكلات، وإثارة الخيال الخصب عند الأطفال، في مناخ حر يقدر شخصية الطفل ويحترم أفكاره.

 ثالثاً: تنمية مهارة حل المشكلات لدى الأطفال

مهارة حل المشكلات تُعد منهجية تفكير تقوم على عدة إجراءات وخطوات بهدف تحليل المشكلة لإيجاد الحل المناسب لها، وتعتمد على التفكير المنطقي والتحليلي والابداعي والخبرات والتجارب السابقة، كما تعد من المهارات الفطرية التي تتطور عند الأطفال بشكل مستمر وتلقائي، ولابد من دعمها وتهذيبها، وتدريب الأطفال على إدارة مشاعرهم والتحكم بها عند مواجهة مشكلاتهم، وتوجيههم إلى التعلم من تجارب الآخرين حين تعترضهم المشكلات من خلال التفاعل الاجتماعي، ومنحهم الأمان عند الاعتراف بتقصيرهم والمشكلات التي يعانوا منها وأسبابها، كما يجب على الوالدين والمربين مشاركة الأطفال تجاربهم وطريقتهم في حل المشكلات من خلال السرد المباشر أو إعطاءها بقوالب قصصية مثيرة.

ويتم حل المشكلات باستخدام مجموعة من الخطوات والإجراءات تبدأ بتحديد المشكلة وذلك بتشجيع الطفل على التحدث والتعبير عن مشكلته، وتحديد الأسباب المحتملة لها، ثم توليد الحلول المتاحة للمشكلة، من خلال التجارب السابقة، واستشارة الوالدان والمربون، وتجريبها إذا كان ممكناً، وتحديد إيجابيات وسلبيات كل حل وإمكانية تطبيقه ونسبة نجاحه، ومن ثم اختيار الحل المناسب، وتطبيقه وتجريبه عملياً، وتشجيع الطفل والثناء عليه، وأخيراً تخزين الحل في الذاكرة لتعميمه على مشكلات مشابهة، ولتنمية مهارات حل المشكلات لدى الأطفال يمكن استخدام بعض النشاطات الشيقة أهمها[4]:

1. نشاط المكعبات: إعطاء الطفل مجموعة من المكعبات والقطع الخشبية لبناء أي شيء يرغب به، وتحتاج عمليات البناء إلى التفكير والابداع للوصول إلى تصميم إبداعي، والطلب من الطفل تصميم شيء محدد يحتاج إلى حل أكثر تعقيداً، لتطوير قدرته على حل المشكلات.

2. نشاط البحث عن الكنز: تعد لعبة البحث عن الكنز من الألعاب المثيرة للطفل والتي تنمي لديه التفكير المنطقي والهادف، للحصول على الكنز من خلال مجموعة من الرموز والإشارات، ويمكن اشتراك جميع أفراد المنزل في اللعبة، حيث يتم وضع الكنز ووضع رموز وعلامات معينة ومنح الطفل الأدوات اللازمة لإيجاده.

3. لعبة المتاهة: تعد لعبة المتاهات من الألعاب الآمنة والممتعة لكافة المراحل العمرية، وتساهم في تنمية المهارات الحركية وقوة الملاحظة، والتركيز الذهني، وتوقع الطريق الصحيح.

4. لعبة الشطرنج: تعد من الألعاب المعقدة لدى الأطفال، حيث تساهم في تنمية الذكاء والقدرة على التخطيط وحل المشكلات.

ومن الأساليب التربوية الحديثة لتنمية مهارة حل المشكلات لدى الطفل، إعادة صياغة المناهج الدراسية، وأساليب التدريس، والتقويم التربوي وفق استراتيجية حل المشكلات.

رابعاً: تنمية مهارة اتخاذ القرارات لدى الأطفال

اتخاذ القرارات هي عملية فكرية نفسية للاختيار بين اثنين أو أكثر من البدائل، وتعتمد على المهارات النفسية الخاصة بمتخذ القرار، وتمر بمراحل متتالية تهدف جميعها إلى تحقيق الهدف الذي يريح الفرد وينهي حالة التوتر لديه، ومهارة اتخاذ القرارات تنمي قدرة الطفل على مواجهة الحياة بقوة دون خوف أو تردد، والاعتماد على نفسه، والتفكير بشكل منطقي للموازنة بين الخيارات المتاحة، واختيار ما هو مناسب له، وتحمل نتيجة هذا القرار.

وتمر عملية اتخاذ القرارات بعدة خطوات تشبه خطوات مهارة حل المشكلات وهي: تشخيص المشكلة، وتحليلها، وإيجاد البدائل المتاحة لحلها، وتقييم البدائل المتاحة، واختيار الحل الملائم للمشكلة، ومن الأساليب التربوية لتنمية مهارة اتخاذ القرارات لدى الأطفال، تشجيعهم على التفكير الاستقلالي من خلال إعطاء الأطفال فرصة لاتخاذ قراراتهم الصغيرة بأنفسهم، مثل اختيار ملابسهم وأصدقاءهم والأنشطة والتي يرغبون بها، وتزويدهم بالمعلومات والخبرات الكافية المتعلقة بموضوع القرار، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.

نخلص إلى أن الوالدين والمربين والمعلمين يتحملون قسطاً كبيراً من مسؤولية إعداد الأطفال لمواكبة التغيرات السريعة في نمط الحياة ومسؤولياتها، مما يؤكد ضرورة إتاحة الفرصة للأطفال لاكتساب مهارات التفكير العليا، والتي تمكنهم من التعاطي الإيجابي مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في هذا العصر.



[1] بدون (2022). مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال، http//www.annajah.net

[2] احمد عبادي الربيعي (2019). المناخ المدرسي وعلاقته بالقدرة على التفكير الابتكاري لدى طلبة المرحلة الثانوية، مجلة الدراسات الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجيا، اليمن، 19(10)، ص 43-72.

[3] بدون (2023).مهارات التفكير الإبداعي ، http//www.eshraka-academy.com

 [4] سامي بلال (2023). كيفية تنمية مهارة حل المشكلات عند الأطفال، http//www.hellooha.com

تدريب الأطفال على تكوين صورة إيجابية عن الذات

 

تدريب الأطفال على تكوين صورة إيجابية عن الذات

 

تكوين صورة إيجابية عن الذات يعد أحد أهم الحاجات النفسية والانفعالية الأساسية للفرد لا سيما في مرحلة الطفولة، فتكوين الصورة الإيجابية عن الذات يشكل النواة والأساس لتكوين وتشكيل وبناء الجوانب المختلفة للشخصية، فإذا كان الأساس صلب ومتين سيكون البناء قوي ومتماسك، أما إذا كان الأساس ضعيف ومهزوز فلا شك أن البناء سينهار عند أبسط الهزات، وتدريب الطفل على تكوين صورة إيجابية عن نفسه من عمر مبكر، يجعله أكثر قدرة على تكوين العلاقات المتينة، والشعور بالسعادة والأمان وامتلاك قوة الشخصية لمجابهة مختلف ضغوط الحياة.   

وفي هذا المقال سنتطرق إلى توضيح بعض الطرق العلمية الناجحة لتدريب الأطفال على تكوين صورة إيجابية عن الذات، وذلك للإسهام في تطوير أساليب تربوية تواكب متطلبات الحياة المعاصرة، وإعداد جيل قوي يعتد بذاته ويعيد مجد أمته، وسنبدأ بتوضيح مفهوم الصورة الإيجابية عن الذات؛ وهي أن يضع الطفل لنفسه صورة ذهنية واقعية عن سماته الشخصية، وخصائصه الجسمية، وأدواره الاجتماعية، مما ينعكس في ثقته بذاته وتقبله لها ونمط تفكيره وتعامله مع الآخرين، كما تُعرَّف بأنها تقبل الطفل لذاته تقبلاً إيجابياً؛ ينعكس على احترامه لنفسه وتقديره لذاته وتبنى نظرة إيجابية وتفاؤلية نحو ذاته والآخرين والحياة؛ بما يؤهله لتحقيق النجاح الشخصي والرضا عن الذات، وتشمل الشعور بالرضا عن النفس والتفكير بطريقة إيجابية حول مظاهر الحياة المختلفة، ولها تأثير على الصحة النفسية والجسدية وطريقة التفاعل مع الآخرين.

وتعد الصورة الذاتية للطفل من المحددات المهمة لتكوين شخصيته منذ الصغر حتى الكبر مما يؤهله للنجاح في المستقبل، وهي بمثابة الأساس لتكوين مفهوم الذات، حيث تشمل الإدراك المعرفي والمهارى والوجداني والحسي، كما تشمل المشاعر والخبرات والاحتياجات، فهي تعطى صورة كمية شاملة عن النفس، كما أنها تجمع النجاحات والإخفاقات، وتتكون عبر سنوات الطفولة ويساهم في تشكيلها الوالدان والمربون ومؤسسات التنشئة والتطبيع الاجتماعي في المجتمع.

دور الأسرة في تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الطفل

تقوم الأسرة كأول مؤسسة لتربية الأطفال ببث مجموعة العادات والتقاليد، والقيم والمعايير والأفكار التي يتشكل وعي الأطفال بها منذ الصغر، كما أن الأسرة تحف أطفالها بالحب والاهتمام والثقة والتشجيع، والتفهم والرعاية، وعادة ما يكون أسلوب الوالدين من العوامل المؤثرة على تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الأطفال، وعندما تثبت الصورة الذاتية في وعى الطفل يبدأ بالتصرف بناءً على هذه الصورة، وهنا تكمن ضرورة أن تقوم الأسرة بتعريف الطفل بمميزاته ونقاط قوته، ليتمكن من تعزيز الجوانب التي يتميز بها ويعمل على تطويرها، كما يتقبل عيوبه ونقاط ضعفه ويعمل على تجازها، وهذا ما يطلق عليه بالتحول من الصورة الذاتية الثابتة للطفل إلى الصورة المتحركة، والمقصود بهذا التحول هو تطوير الطفل من خلال تدعيم الصفات والمميزات الإيجابية وتقويتها، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تكونت عن نفسه، وعدم مقارنة الذكور بالإناث من حيث الاختلافات الجسمية أو العقلية أو النفسية، وترسيخ فكرة تقبل الذات، وتعزيز التكامل بين الأسرة والمدرسة في العملية التربوية.

دور المربي في تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الطفل

يعد المربى قدوة لكل المتعلمين وخاصة الأطفال في مرحلتي رياض الأطفال والتعليم الأساس، فالمربي في هذه المراحل يكمل الدور الذي قام به الوالدان، ويعد المحضن التربوي هو المؤسسة الثانية بعد الأسرة المنوط بها تنشئة الأطفال وتشكيل شخصياتهم، وعلى المربي أن يتوافق مع صورته الذاتية قبل أن يبدأ في تكوين الصورة الإيجابية للأطفال، فيبدأ المربي بتنمية الصفات الإيجابية لدى الأطفال، واعتبار أخطاءهم منطلقاً لتحسين أدائهم، وتشجيعهم على تحقيق الإنجازات، وبث الفكرة عندهم أن عدم قدرتهم على فعل بعض الأشياء لا يعد نهاية الأمر، وبإمكانهم تحقيقه فيما بعد، كما يجب على المربي تجنيب الأطفال من العوامل المؤثرة سلباً على تكون الصورة الإيجابية لديهم مثل: مشاعر الخوف، وذلك بكسر حواجز الخوف داخل الفصل الدراسي وأثناء الأنشطة الصفية واللاصفية، وتشجيعهم بشكل مستمر على المشاركة وتعزيز الثقة في النفس، وتعريفهم أن الخطأ ليس ذنباً وإنما منطلقاً للتصحيح، وكذلك تعزيز العوامل المؤثرة إيجاباً على تكوين الصورة الإيجابية، مثل: تعزيز العلاقة الجيدة مع الأطفال، وزيادة الدافعية لديهم للتعلم والانجاز، وإعطاؤهم التغذية الراجعة لسلوكياتهم حتى يتم تصحيحها أولاً بأول، وإشعارهم بأهميتهم وقيمتهم لديه. [1]

سُبل تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الأطفال

يعد تكوين صورة إيجابية عن الذات من الحاجات الأساسية في تكوين شخصية الطفل، وتشمل تكوين صورة إيجابية عن السمات الشخصية، والخصائص الجسمية، والأدوار الاجتماعية للطفل. وتدريب الطفل على تكوين صورة إيجابية عن الذات، يحتاج إلى إعداد وتنفيذ برامج إرشادية موجهة تستهدف الأطفال في مراحل نموهم المختلفة بما يتناسب مع خصائص النمو لكل مرحلة، وسنتناول بعض الطرق التي يمكن تنفيذها في الأسرة والمدرسة والمحضن التربوي والنادي، وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومن أهمها:

1.  العناية بصحة الأطفال الجسمية: من خلال تفعيل البرامج والمسابقات الرياضية في المدراس والمحاضن التربوية، وتشجيع الأطفال على الاشتراك في الأندية الرياضية لممارسة الألعاب المختلفة مثل الكراتيه والتيكواندو وغيرها من التمارين الرياضية التي تقوي الجسم وتحافظ على لياقته البدنية، فالمؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، بالإضافة إلى توجيه الأطفال إلى الاهتمام بمظهرهم الخارجي، والالتزام بنظام غذائي متوازن وصحي يحتوي على الخضروات والفواكه والبروتينات والكربوهيدرات والدهون المفيدة، والابتعاد عن الأغذية المصنعة والغنية بالدهون والسعرات الحرارية الزائدة، واتباع نمط صحي للنوم.

2.  الاهتمام بصحة الأطفال النفسية: من خلال بث روح التفاؤل والأمل في نفوس الأطفال، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، من خلال تكليف الأطفال بأعمال بسيطة وتحميلهم مسؤوليات صغيرة يمكنهم القيام بها، وتدريبهم على مواجهة الأفكار السلبية واللاعقلانية، والتعامل مع ضغوط الحياة بطريقة إيجابية، وتجنب الإجهاد والقلق الزائد، ومن البرامج التي تنمي الصحة النفسية: ممارسة الاسترخاء، وتقنيات التنفس، وقراءة القصص الملهمة ومشاهدة الأفلام التعليمية الهادفة.

3.  تحسين المهارات الشخصية للأطفال: من خلال تدريب الأطفال على المهارات الأساسية كالقراءة والإملاء والتعبير والخط، ومهارات العصر المتمثلة بالتعامل مع الحاسوب واللغة الإنجليزية، والرسم، والتصوير، والتصميم، والبرمجة، والدورات الصحية، وأيضا تنمية الاهتمام بالثقافة العامة والفنون الهادفة، وتشجيع الأطفال على التعلم المستمر والوصول إلى أعلى مراتب النجاح الدراسي، والاستفادة من التقنيات الحديثة في التعلم الإلكتروني، والاطلاع على آخر المستجدات العلمية والتكنولوجية، ولاشك أن اكتساب الطفل للمهارات تشعره بتميزه عن غيره مما يكوِّن لديه صورة إيجابية عن نفسه.

4.  تشجيع الأطفال على تحقيق الانجازات: وذلك بإظهار الاهتمام بما يقومون به، والإشادة بإنجازاتهم حتى لو كانت صغير، من خلال كلمات الشكر والثناء والمكافئات المادية والمعنوية، وإتاحة الفرصة للأطفال للتحدث عن أنفسهم ومشاعرهم ومشاركة أفكارهم أمام زملائهم وأولياء أمورهم ومعلميهم، في جلسات التعارف أو جلسات خاصة بمناقشة الإنجازات التي حققوها، وعدم تقييم شخصية الطفل بناءً على أدائه أو مستواه التعليمي، وربط التقييم بعملية التعلم وليس على درجة التحصيل النهائية، واستبعاد كلمة فاشل من قاموس المربي وتوفير بيئة تعلم ممتعة، ومن ذلك: المكافئة على إنجاز الواجبات المنزلية، وتفعيل لوحة النجوم بحيث يمنح الطفل نجمة عن كل عمل إيجابي يقوم به خلال الأسبوع، ثم تقديم مكافئة مقابل ذلك، ولا شك أن تحقيق الإنجازات يعزز الصورة الإيجابية عن الذات لدى الأطفال.

5.  مساعدة الأطفال على وضع خططهم الشخصية: وذلك بتدريبهم على تحديد رؤية ورسالة وأهداف في الحياة، ووضع خطة مرنة لتحقيقها وكتابة الخطة الشخصية وتعليقها في مكان بارز في البيت لمشاهدتها باستمرار، والعمل بجد لتنفيذها، وتدريبهم على إدارة الوقت، والسرعة والدقة في إنجاز الأعمال، ولا شك أن وضع الخطة الشخصية يشعر الطفل بأنه صاحب رسالة ورؤية وأهداف، وأنه من الناجحين في المستقبل.    

6.  تحسين العلاقات الاجتماعية للأطفال: مساعدة الأطفال على تكوين علاقات مستمرة وناجحة، وذلك بحسن التواصل مع الآخرين لاسيما الإيجابيين منهم، والاستماع لهم وتقديم المساعدة عند الحاجة، وقضاء أوقات ممتعة مع العائلة والأصدقاء، والجلوس مع المرشدين التربويين والحكماء في المجتمع وكبار السن في العائلة للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم وإرشاداتهم، وتكوين صداقات قوية مع زملائهم من خلال التفاعل الإيجابي وممارسة الألعاب الجماعية معهم.

7.  منح الأطفال الحرية الكافية: وذلك بإعطاء الأطفال المساحة الكافية والمناخ الملائم للقيام بأعمالهم وتجربة أشياء جديدة، والسماح لهم بالتعلم من أخطائهم، وذلك بتحويل الأخطاء إلى فرص للتعلم، وليس للنقد والتوبيخ والسخرية من الطفل، وترشيد الرقابة في الأسرة والمدرسة حتى لا تتحول إلى عائق أمام الأطفال ومصدر للخوف والإرهاب.

8.  مساعدة الأطفال على الاعتناء بجمال مظهرهم: وذلك بتوجيه الأطفال إلى العناية بمظهرهم الخارجي، من خلال ارتداء الملابس النظيفة والمناسبة والذي يؤثر على مشاعرهم نحو الآخرين ومشاعر الآخرين نحوهم، بالإضافة إلى أن ارتداء الملابس المناسبة يعزز الارتياح والقبول الاجتماعي، كما أن النظافة الشخصية لها تأثير على تكوين صورة إيجابية عن الذات، وقد أوجب ذلك شرعنا الإسلامي بالأمر بالطهارة بقوله تعالى" وثيابك فطهر" سورة المدثر (4)، وجعل الطهارة أول أبواب الفقه الإسلامي، وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال: (إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس).

الخلاصة أن تكوين صورة إيجابية عن الذات لدى الطفل تعد ثمرة من ثمرات التربية الناجحة، وتحتاج إلى وقت وجهد وإتقان وتكامل الأدوار من قبل الأسرة والمدرسة والمحضن التربوي والقائمين على العملية التربوية والتعليمية.



[1] دعاء عبدالكريم أبو الرجال (2021). تأثير المعلم/المعلمة في رسم الصورة الذاتية للطفلة، المجلة التربوية، كلية التربية، جامعة سوهاج. يونيو(3)، ص 861- 873.

رسائل تربوية 1

  العنوان  الرسالة أطفالنا مرآتنا: كيف تنعكس مشاكلنا عليهم؟ أطفالنا بالنسبة لنا كمرآة تعكس حياتنا.....